ذلك، بل المتكلم بصدد توجيه المرتابين، ويكون جملة الشرط توطئة إلى الجملة الثانية بصورة القضية الشرطية، وليس المتكلم في مقام أن يقول: وإن لا ترتابوا فلا تأتوا بمثله، كما لا يخفى.
ومن هنا يظهر وجه الاستدلال بالآية الثانية على عدم دلالة أداة الشرط ولا القضية الشرطية - لا بالدلالة الوضعية، ولا الالتزامية - على المفهوم، فإن قوله تعالى: * (فاتقوا النار) * ليس معلقا على قوله تعالى: * (فإن لم تفعلوا) * حتى يلزم منه عدم لزوم الاتقاء إذا أتوا بمثله، ضرورة أن إمكان الإتيان بالمثل، لا يستلزم عدم لزوم التجنب عن تلك النار، التي هي أمر واقعي تكويني لا ربط لها بالتشريع والرسالة، فاغتنم.
أقول: قد تحرر منا في قواعدنا الأصولية: أن حديث المفهوم لا يستند إلى الوضع (1)، وهاتان الآيتان خصم القائلين بالوضع. ولكنه مستند إلى مقدمات الإطلاق، ولا منع من تمامية تلك المقدمات في مورد دون مورد لقيام القرائن على خلافهما، كما في الآيتين، وأما القول بالمفهوم فهو غير تام صناعة، وإن كان الفقيه في الفقه يلتزم به أحيانا، بعد إقراره بعدم أساس له في الأصول، والتفصيل في محله.
بقي شئ: حول استفادة العموم من مقدمات الحكمة لو كان ما ذهب إليه جمع من الأصوليين، وهو دلالة الجمع المحلى بالألف واللام على العموم الاستغراقي حقا للزم أن يكون كل واحد