وقوله تعالى: * (صم بكم عمي) * دليل على أنهم بذواتهم - وعلى نعت الاشتقاق - لا يسمعون ولا ينطقون ولا يبصرون، فيكون عدم الإبصار لعدم الاقتضاء الذاتي، ولوقوعهم في ظلمات الجهالة والضلالة والشقاوة الطارئات على ذواتهم الخبيثة، وهذه النعوت الرذيلة توجب عدم رجوعهم.
فبالجملة: تحصل أن الآية ليست خلاف الإيجاز، ولا تستلزم التكرار، وتكون النتيجة هكذا: " وتركهم في ظلمات فقدان الحواس الظاهرة، فلا يسمعون ولا ينطقون ولا يبصرون "، واكتفى هنا بذكر الأخيرة، لما أن جملة * (في ظلمات) * ربما تفيد حذف ذلك صم بكم عمي بالاستحقاق الذاتي، فيكون المنافق متحد الذات مع الأصم والأبكم والأعمى، لوصولهم في الانحطاط والتنازل إلى حدود الأعدام التي يحكم عليها: بأنهم لا يرجعون.
الوجه السادس حول ترتيب الأوصاف يشعر ذوو العقل والفهم أن في تقديم الصم، إشارة إلى فقد الحد الوسط بين عالم المادة والإحساس وعالم التجرد، وفي تقديم البكم على العمي، إيماء إلى أن بعد فقد الحاسة المتوسطة، تصل النوبة في الحركة التضعفية، وفي السفر إلى الحيوانية والأنعامية، إلى فقد القوة المتوسطة بين عالم العقل والنورانية وعالم الإحساس والتحريك، وفي تأخير العمى عنهما، رمز إلى أن العمى آخر منازل