الوجه التاسع في الإتيان بالفاء ربما تشعر الفاء المذكورة بأن المحذوف أيضا هي الفاء، وأن بين الجمل سنخية العلية والمعلولية، فتكون الآية هكذا: " صم فبكم فعمي، فهم لا يرجعون "، وقد أشرنا إلى كيفية الترتب بين مفاد الجمل.
وأما ما يذكر: من أن تقديم الصم لأجل أنه سبب البكم والخرس (1)، فهو لا يتم بالقياس إلى ما بعده. اللهم إلا أن يقال: بأن المراد من العمى أعم، فيشمل عمى القلب عن الانتفاع بالمسموعات بالنطق، فلا يخفى لطفه.
ثم إن هنا دقيقة لفظية ورعاية لطيفة: هي مراعاة أواخر الجمل بإتيان " العمي " ثالثا، حتى تختم الجمل بالميم، فكأن الآية تكون هكذا: * (صم بكم عمي فهم لا يرجعون) *.
هذا، مع أن معنى الصمم يناسب المقام، وكأنه استعملت لفظة " صم " مركبة في معناه، فأريد به - ف - هم، وأيضا أريد به الصمم، ويكون فاعل عمى بمعناه المصدري، ويرجع مفاد الآية بناء عليه إلى قوله تعالى:
* (لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) * (2)، فليتدبر جيدا وجدا.