الوجه الثالث حول تساوي نسبة المتكلم إلى المخاطبين عند الإرشاد من وجوه البلاغة أن يكون المتكلم في كلامه متساوي النسبة، وينظر بعين واحدة فيما يريد إرشاد عائلة البشر من الشر إلى الخير، ولا يلاحظ في هذا المضمار من الأثر جانب جماعة الأبرار، فيكون على هذا صاحب كلام يلقيه إليهم ليهديهم إلى السعادة، كأنهم على نهج واحد وسبيل فارد، حتى لا ييأسوا من روح الله، وحيث إن الآيات السابقة اتخذت سبيل التوصيف والتفكيك بين الناس، بتوجيه المؤمنين من الكملين وغيرهم من القاطنين في الأرض السفلى، فأخذ الله تعالى هنا بتنبيه كافة الملل إلى إمكان الاهتداء واستعدادهم للوصول إلى غاية الغايات، وشرع في توجيههم إلى أن لا يخسروا ولا يروا أنفسهم في الشقاوة الأبدية، فخاطبهم من غير واسطة، وكلمهم بغير حجاب، وشرفهم بالخطاب حتى يجدوا في أنفسهم الاهتزاز والالتذاذ، فيذوقوا حلاوة الاختصاص، وأنهم في هذا النمط من البحث في عرض النبي الأعظم والرسول المكرم والمولى الأفخم المفخم، فكان في هذه الآية انصراف عما سبق، ولذلك تغير أسلوب الكلام في المقام حتى لا تزل الأقدام إذا أرادوا الإسلام والانسلاك في ثلة المسلمين وجماعة المؤمنين، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - أن اليأس من رحمة الله تعالى من المعاصي الكبيرة، وعلى كل إنسان أن يجد على الدوام نفسه بين الخطين خط الجنة وخط النار، ولا يخرج عن
(٣٠٤)