المخاطب بهذه الآية، ليس البلغاء والفصحاء وأهل الممارسة والتمرين في الشعر والأدب، بل المخاطب جماعة المرتابين، وربما فيهم البلغاء والأدباء، فدعوة المرتابين إلى الإتيان بالمباشرة غير صحيحة، فالأمر بالإتيان أعم من الإتيان مباشرة أو تسبيبا، ولابد من قيام الشاهد على ذلك، وهو قوله تعالى: * (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) *، فإن المرتابين يفعلون الأفاعيل والجد والاجتهاد بالتوسل إلى أهل الكلام والبلاغة لإتيان المماثل بصرف الدراهم والدنانير أو التطميع والتهديد وغير ذلك من الأسباب والوسائل الممكنة، فهم يجتهدون ويفعلون الأفعال الخاصة لنيل مرامهم ومقصودهم، ومنها التوسل إلى الأوثان بعبادتها والأصنام بالذبح عندها وغير ذلك. وعلى هذا تبين أن الأبلغ قوله تعالى: * (فإن لم تفعلوا) *.
ثم إن من البلاغة تضمين الكلام بإيجاد اليأس فيهم، وتوجيههم إلى الهداية والإسلام وإعلامهم بأنهم لن يفعلوا، من غير إفادة عجزهم وتذليل خواطرهم وضمائرهم بالتهكم والتعجيز، ولذلك يقال: * (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) * وكأنه إخبار عن انصرافهم عن تعقيب هذا الأمر العظيم، وهو الإتيان بالمثل والمشابه، ضرورة أن عدم الفعل كما يستند إلى عدم العلم أو العجز وعدم القدرة، يستند إلى عدم الإرادة، فلوحظ هذا الجانب في هذا التعبير أيضا، فهاتان الآيتان آية في البلاغة بحسب الدعوة إلى الحق، والاشتمال على كيفية الاستدلال ومراعاة التوجيه إلى جانب الحق، بمراعاة الأدب في الكلام والبحث من جهات شتى ونواح مختلفة، كما أشرنا إليه، وسيظهر أيضا بعض هذه الأمور في البحوث الآتية إن شاء الله تعالى.