الأقل، ويبقى الأكثر بحاله، والكبيرة عندهم ما يكبر عقابه عن ثواب صاحبه، قالوا:
ولا يعرف شئ من الصغائر، ولا معصية، إلا ويجوز أن يكون كبيرة، فإن في تعريف الصغائر إغراء بالمعصية، لأنه إذا علم المكلف أنه لا ضرر عليه في فعلها، ودعته الشهوة إليها فعلها. وقالوا: عند اجتناب الكبائر يجب غفران الصغائر، ولا يحسن معه المؤاخذة بها، وليس في ظاهر الآية ما يدل عليه، فإن معناه على ما رواه الكلبي، عن ابن عباس: إن تجتنبوا الذنوب التي أوجب الله فيها الحد، وسمى فيها النار نكفر عنكم ما سوى ذلك من الصلاة إلى الصلاة، ومن الجمعة إلى الجمعة، ومن شهر رمضان إلى شهر رمضان. وقيل: معنى ذلك إن تجتنبوا كبائر ما نهيتم عنه في هذه السورة من المناكح، وأكل الأموال بالباطل، وغيره من المحرمات، من أول السورة إلى هذا الموضع، وتركتموه في المستقبل، كفرنا عنكم ما كان منكم من ارتكابها فيما سلف. ولذا قال ابن مسعود: " كلما نهى الله عنه في أول السورة إلى رأس الثلاثين، فهو كبيرة " ويعضد هذا القول من التنزيل قوله (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف)، وقوله (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف).
(وندخلكم مدخلا كريما): أي مكانا طيبا حسنا، لا ينقصه شئ. وقد ذكرنا المعنى في القراءتين قبل. فأما تفسير الكبائر الموبقة على ما وردت به الروايات، فسنذكر منه جملة مقنعة، وروى عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه علي بن موسى الرضا، عن موسى بن جعفر عليه السلام قال:
(دخل عمرو بن عبيد البصري على أبي عبد الله، جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، فلما سلم وجلس، تلا هذه الآية: (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش)، ثم أمسك. فقال أبو عبد الله: ما أسكتك؟ قال: أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله.
قال: نعم يا عمرو، أكبر الكبائر الشرك بالله، لقول الله عز وجل (إن الله لا يغفر أن يشرك به)، وقال: ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار، وبعده اليأس من روح الله، لان الله يقول (ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، ثم الأمن من مكر الله، لان الله يقول (ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون)، ومنها عقوق الوالدين لان الله تعالى جعل العاق جبارا شقيا في قوله: (وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا)، ومنها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، لأنه يقول: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) الآية.