ذلك، ولا يطلع عليه غيره، فإنه العالم بالسرائر، المطلع على الضمائر (بعضكم من بعض): قيل فيه قولان أحدهما: إن المراد به كلكم ولد آدم، فلا تستنكفوا من نكاح الإماء، فإنهن من جنسكم كالحرائر والآخر: إن معناه كلكم على الايمان، ودينكم واحد، فلا ينبغي أن يعير بعضكم بعضا بالهجنة. نهى الله عن عادة أهل الجاهلية في الطعن، والتعيير بالإماء.
(فانكحوهن): يعني الفتيات المؤمنات: أي تزوجوهن (بإذن أهلهن): أي بأمر سادتهن ومواليهن. وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز نكاح الأمة بغير إذن مالكها.
(وآتوهن أجورهن) أي أعطوا مالكهن مهورهن (بالمعروف): أي بما لا ينكر في الشرع، وهو ما تراضى عليه الأهلون، ووقع عليه العقد. وقيل: معناه من غير مطل وضرار (محصنات): أي عفائف يريد تزوجوهن عفائف (غير مسافحات): أي غير زوان. وقيل: معناه متزوجات غير زانيات، وقد قرئ (محصنات) و (محصنات) بفتح الصاد وكسرها، على ما مر ذكره في الآية الأولى (ولا متخذات أخدان): أي أخلاء في السر، لان الرجل منهم كان يتخذ صديقة، فيزني بها، والمرأة تتخذ صديقا. فتزني به.
وروي عن ابن عباس أنه قال: " كان قوم في الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا، ويستحلون ما خفي منه، فنهى الله عن الزنا سرا وجهرا ". فعلى هذا يكون المراد بقوله (غير مسافحات ولا متخذات أخدان) غير زانيات لا سرا ولا جهرا.
(فإذا أحصن): من قرأ بضم الهمزة معناه: فإذا زوجن فأحصنهن أزواجهن، وهو بمعنى تزوجن، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة. ومن قرأ بالفتح فمعناه: أسلمن، عن عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وإبراهيم، والشعبي، والسدي. وقال الحسن: " يحصنها الزوج ويحصنها الاسلام ".
(فإن أتين بفاحشة): أي زنين (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب): أي نصف ما على الحرائر من حد الزنا، وهو خمسون جلدة، نصف حد الحرة، و (ذلك) إشارة إلى نكاح الأمة عند عدم الطول (لمن خشي العنت منكم): يعني الزنا، وهو أن يخاف أن تحمله شدة الشبق على الزنا، فيلقى الحد في الدنيا، أو العذاب في الآخرة، وعليه أكثر المفسرين. وقيل: معناه لمن يخاف أن يهواها، فيزني بها. وقيل: معنى العنت: الضرر الشديد في الدين، أو الدنيا،