أحدهما: أن يكون مفعول قال تقديره: قال الله هذا القصص، أو هذا الكلام، يوم ينفع الصادقين صدقهم فيوم ظرف للقول. وهذا إشارة إلى ما تقدم ذكره من قوله (إذ قال الله يا عيسى بن مريم) وجاء على لفظ الماضي، وإن كان المراد به الآتي، كما قال (ونادى أصحاب الجنة) ونحو ذلك. وليس ما بعد قال حكاية في هذا الوجه، كما كان إياها في الوجه الآخر. ويجوز أن يكون المعنى على الحكاية، وتقديره قال الله هذا يوم ينفع أي: هذا الذي اقتصصنا، يقع أو يحدث يوم ينفع، وخبر المبتدأ الذي هو هذا الظرف، لأنه إشارة إلى حدث، وظروف الزمان تكون أخبارا عن الأحداث. والجملة في موضع نصب بأنها في موضع مفعول، قال: ولا يجوز أن تكون في موضع رفع، وقد فتح لأن المضاف إليه معرب، وإنما يكتسب البناء من المضاف إليه، إذا كان المضاف إليه مبنيا، والمضاف مبهما، كما يكون ذلك في هذا الضرب من الأسماء، إذا أضيف إلى ما كان مبنيا، نحو: (ومن خزي يومئذ)، و (من عذاب يومئذ) وصار في المضاف البناء للإضافة إلى المبني، كما صار فيه الاستفهام للإضافة إلى المستفهم به، نحو: غلام من أنت؟ وكما صار فيه الجزاء نحو: غلام من تضرب اضرب، وليس المضارع في هذا كالماضي في نحو قوله:
على حين عاتبت المشيب على الصبا * فقلت ألما أصح والشيب وازع (1) لأن الماضي مبني، والمضارع معرب. وإذا كان معربا لم يكن شئ يحدث من أجله البناء في المضاف، والإضافة إلى الفعل نفسه في الحقيقة، لا إلى مصدره، ولو كانت الإضافة إلى المصدر، لم يبن المضاف لبناء المضاف إليه.
المعنى: لما بين عيسى بطلان ما عليه النصارى (قال الله) تعالى: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) يعني: ما صدقوا فيه في دار التكليف، لأن يوم القيامة لا تكليف فيه على أحد، ولا يخبر أحد فيه إلا بالصدق، ولا ينفع الكفار صدقهم في يوم القيامة، إذا أقروا على أنفسهم بسوء أعمالهم. وقيل: إن المراد بصدقهم تصديقهم لرسل الله تعالى وكتبه. وقيل: إنه الصدق في الآخرة، وإنه ينفعهم لقيامهم فيه بحق الله. فعلى هذا يكون المراد به صدقهم في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) أي: دائمين فيها في نعيم مقيم لا يزول (رضي الله عنهم) بما فعلوا (ورضوا عنه) بما أعطاهم من الجزاء