الحكاية عن اليهود وقولهم عزير ابن الله.
(قال) يعني: عيسى (سبحانك) جل جلالك، وعظمت، وتعاليت، عن عطاء. وقيل: معناه تنزيها لك، وبراءة مما لا يجوز عليك. وقيل: تنزيها لك من أن تبعث رسولا يدعي إلهية لنفسه، ويكفر بنعمتك، فجمع بين التوحيد والعدل، ثم تبرأ من قول النصارى، فقال: (ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) أي: لا يجوز لي أن أقول لنفسي ما لا يحق لي، فأمر الناس بعبادتي، وأنا عبد مثلهم، وإنما تحق العبادة لك لقدرتك على أصول النعم.
ثم استشهد الله تعالى على براءته من ذلك القول فقال (إن كنت قلته فقد علمته) يريد أني لم أقله، لأني لو كنت قلته لما خفي عليك، لأنك علام الغيوب (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) أي: تعلم غيبي وسري، ولا أعلم غيبك وسرك، عن ابن عباس. وإنما ذكر النفس لمزاوجة الكلام، والعادة جارية بأن الانسان يسر في نفسه، فصار قوله (ما في نفسي) عبارة عن الإخفاء، ثم قال: (ما في نفسك) على جهة المقابلة، وإلا فالله منزه عن أن يكون له نفس، أو قلب، تحل فيه المعاني، ويقوي هذا التأويل قوله تعالى (إنك أنت علام الغيوب) لأنه علل علمه بما في نفس عيسى، بأنه علام الغيوب، وعيسى ليس كذلك، فلذلك لم يعلم ما يختص الله بعلمه.
ثم قال حكاية عن عيسى في جواب ما قرره تعالى عليه: (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم) أي: لم أقل للناس إلا ما أمرتني به من الإقرار لك بالعبودية، وإنك ربي وربهم، وإلهي وإلههم، وأمرتهم أن يعبدوك وحدك، ولا يشركوا معك غيرك في العبادة (وكنت عليهم شهيدا) أي: شاهدا (ما دمت) حيا (فيهم) بما شاهدته منهم، وعلمته، وبما أبلغتهم من رسالتك التي حملتنيها، وأمرتني بأدائها إليهم.
(فلما توفيتني) أي: قبضتني إليك، وأمتني، عن الجبائي. وقيل: معناه وفاة الرفع إلى السماء، عن الحسن (كنت أنت الرقيب) أي: الحفيظ (عليهم) عن السدي، وقتادة. (وأنت على كل شئ شهيد) أي: أنت عالم بجميع الأشياء، لا تخفى عليك خافية، ولا يغيب عنك شئ. قال الجبائي: وفي هذه الآية دلالة على أنه أمات عيسى وتوفاه، ثم رفعه إليه لأنه بين أنه كان شهيدا عليهم ما