الرسالة. والبلاغ: وصول المعنى إلى غيره، وهو هاهنا وصول الإنذار إلى نفوس المكلفين، وأصل البلاغ: البلوغ، ومنه البلاغة: وهي إيصال المعنى إلى النفس في حسن صورة من اللفظ. والبلاغ: الكفاية، لأنه يبلغ مقدار الحاجة.
المعنى: لما تقدم بيان الاحكام، عقبه سبحانه بذكر الوعد والوعيد، فقال (إعلموا أن الله شديد العقاب) لمن عصاه (وأن الله غفور رحيم) لمن تاب، وأناب، وأطاع. وجمع بين المغفرة والرحمة، ليعلم أنه لا يقتصر على وضع العقاب عنه، بل ينعم عليه بفضله، ولما أنذر وبشر في هذه الآية، عقبها بقوله (ما على الرسول إلا البلاغ) أي: ليس على الرسول إلا أداء الرسالة، وبيان الشريعة. فأما القبول والامتثال فإنه يتعلق بالمكلفين المبعوث إليهم (والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) أي: لا يخفى عليه شئ من أحوالكم التي تظهرونها وتخفونها، وفيه غاية الزجر والتهديد، وفي قوله سبحانه (إعلموا أن الله شديد العقاب) الآية، دلالة على وجوب معرفة العقاب والثواب، لكونهما لطفا في باب التكليف.
(قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألبب لعلكم تفلحون [100] اللغة: الاستواء: على أربعة أقسام: استواء في المقدار، واستواء في المكان، واستواء في الذهاب، واستواء في الانفاق. والاستواء: بمعنى الاستيلاء راجع إلى الاستواء في المكان، لأنه تمكن واقتدار والخبيث: أصله الردي، مأخوذ من خبث الحديد، وهو رديه بعد ما يخلص بالنار جيده، ففي الحديد امتزاج جيد بردي. والإعجاب: سرور بما يتعجب منه. والعجب، والإعجاب، والتعجب، من أصل واحد، والعجب مذموم، لأنه كبر يدخل على النفس بحال يتعجب منها.
وعجب الذنب، أصله. وعجوب الرمل: أواخره لانفراده عن جملته، كانفراد ما يتعجب به.
المعنى: لما بين سبحانه الحلال والحرام، بين أنهما لا يستويان فقال (قل) يا محمد (لا يستوي) أي لا يتساوى (الخبيث والطيب) أي: الحرام والحلال، عن الحسن، والجبائي. وقيل: الكافر والمؤمن، عن السدي (ولو أعجبك) أيها السامع أو أيها الانسان (كثرة الخبيث) أي: كثرة ما تراه من الحرام، لأنه لا يكون