سبحانه ذلك هنا فقال (يا أيها الذين آمنوا) خص المؤمنين بالذكر، وإن كان الكفار أيضا مخاطبين بالشرائع، لأنهم القابلون لذلك، المنتفعون به. وقيل: لأنه لم يعتد بالكفار (ليبلونكم الله) أي: ليختبرن الله طاعتكم عن معصيتكم (بشئ من الصيد) أي: بتحريم شئ من الصيد، وإنما بعض لأنه عنى صيد البر خاصة، عن الكلبي.
وقد ذكرناه قبل مفسرا. ومعنى الاختبار من الله: أن يأمر وينهى، ليظهر المعلوم، ويصح الجزاء. قال أصحاب المعاني: امتحن الله أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بصيد البر، كما امتحن أمة موسى عليه السلام بصيد البحر (تناله أيديكم ورماحكم) قيل فيه أقوال:
أحدها: إن المراد به تحريم صيد البر، والذي تناله الأيدي من فراخ الطير، وصغار الوحش، والبيض، والذي تناله الرماح الكبار من الصيد، عن ابن عباس، ومجاهد، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام. وثانيها: إن المراد به صيد الحرم، ينال بالأيدي والرماح، لأنه يأنس بالناس، ولا ينفر منهم فيه، كما ينفر في الحل، وذلك آية من آيات الله، عن أبي علي الجبائي. وثالثها: إن المراد به: ما قرب من الصيد، وما بعد (ليعلم الله من يخافه بالغيب) معناه: ليعاملكم معاملة من يطلب منكم أن يعلم مظاهرة في العدل، ووجه آخر ليظهر المعلوم، وهو أن يخاف بظهر الغيب، فينتهي عن صيد الحرم طاعة له تعالى. وقيل: ليعلم وجود خوف من يخافه بالوجود لأنه لم يزل عالما بأنه سيخاف، فإذا وجد الخوف علم ذلك موجودا، وهما معلوم واحد، وإن اختلفت العبارة عنه، فالحدوث إنما يدخل على الخوف، لا على العلم.
وقوله (بالغيب) معناه: في حال الخلوة والتفرد. وقيل: معناه أن يخشى عقابه إذا توارى بحيث لا يقع عليه الحس، عن الحسن. وقال أبو القاسم البلخي:
إن الله تعالى، وإن كان عالما بما يفعلونه فيما لم يزل، فإنه لا يجوز أن يثيبهم، ولا يعاقبهم على ما يعلمه منهم، وإنما يستحقون ذلك إذا علمه واقعا منهم على الوجه الذي كلفهم عليه، فإذا لا بد من التكليف والابتلاء (فمن اعتدى بعد ذلك) أي:
من تجاوز حد الله، وخالف أمره بالصيد في الحرم، وفي حال الإحرام (فله عذاب أليم) أي: مؤلم. ثم ذكر سبحانه عقيب ذلك ما يجب على ذلك الاعتداء من الجزاء، فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد) اختلف في المعني بالصيد، فقيل: هو كل الوحش، أكل أو لم يؤكل، وهو قول أهل العراق، واستدلوا بقول علي عليه السلام: