فجاءه، فقال: يا أيها الملك! سلهم أنحن عبيد لهم؟ فقال: لا بل أحرار. قال:
فسلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟ قال: لا، ما لنا عليكم ديون. قال: فلكم في أعناقنا دماء تطالبونا بها؟ قال عمرو: لا، قال: فما تريدون منا، آذيتمونا فخرجنا من دياركم؟ ثم قال: أيها الملك! بعث الله فينا نبيا أمرنا بخلع الأنداد، وترك الاستقسام بالأزلام، وأمرنا بالصلاة، والزكاة، والعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، ونهانا عن الفحشاء، والمنكر، والبغي.
فقال النجاشي: بهذا بعث الله عيسى، ثم قال النجاشي لجعفر: هل تحفظ مما أنزل الله على نبيك شيئا؟ قال: نعم، فقرأ سورة مريم، فلما بلغ قوله (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) قال: هذا والله هو الحق! فقال عمرو: إنه مخالف لنا، فرده إلينا.
فرفع النجاشي يده، وضرب بها وجه عمرو، وقال: أسكت والله لئن ذكرته بعد بسوء لأفعلن بك. وقال: أرجعوا إلى هذا هديته، وقال لجعفر وأصحابه: امكثوا فإنكم سيوم، والسيوم: الآمنون، وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق، فانصرف عمرو وأقام المسلمون هناك بخير دار، وأحسن جوار، إلى أن هاجر رسول الله وعلا أمره وهادن قريشا، وفتح خيبر، فوافى جعفر إلى رسول الله بجميع من كانوا معه، فقال رسول الله: لا أدري أنا بفتح خيبر أسر، أم بقدوم جعفر.
ووافى جعفر وأصحابه رسول الله في سبعين رجلا، منهم اثنان وستون من الحبشة، وثمانية من أهل الشام، فيهم بحيراء الراهب، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سورة يس إلى آخرها، فبكوا حين سمعوا القرآن، وآمنوا، وقالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى، فأنزل الله فيهم هذه الآيات. وقال مقاتل، والكلبي: كانوا أربعين رجلا: اثنان وثلاثون من الحبشة، وثمانية من أهل الشام. وقال عطا: كانوا ثمانين رجلا: أربعون من أهل نجران من بني الحرث بن كعب، واثنان وثلاثون من الحبشة، وثمانية روميون من أهل الشام.
المعنى: ثم ذكر تعالى معاداة اليهود للمسلمين فقال: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) وصف اليهود والمشركين بأنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين، لان اليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين، مع أن المؤمنين يؤمنون بنبوة موسى والتوراة التي أتى بها، فكان ينبغي أن يكونوا إلى من وافقهم في الايمان