وروى أيضا بإسناده عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لما هبط إبليس، قال: وعزتك وجلالتك وعظمتك، لا أفارق ابن آدم حتى تفارق روحه جسده! فقال الله سبحانه: وعزتي وعظمتي وجلالي، لا أحجب التوبة عن عبدي حتى يغرغر بها ".
(فأولئك يتوب الله عليهم): أي يقبل توبتهم، (وكان الله عليما) بمصالح العباد، (حكيما) فيما يعاملهم به. (وليست التوبة): التوبة المقبولة التي ينتفع بها صاحبها، (للذين يعملون السيئات): أي المعاصي، ويصرون عليها، ويسوفون التوبة، (حتى إذا حضر أحدهم الموت): أي أسباب الموت من معاينة ملك الموت، وانقطع الرجاء عن الحياة، وهو حال اليأس التي لا يعلمها أحد غير المحتضر، (قال إني تبت الآن): أي فليس عند ذلك اليأس التوبة. وأجمع أهل التأويل على أن هذه قد تناولت عصاة أهل الاسلام، إلا ما روي عن الربيع أنه قال:
إنها في المنافقين. وهذا لا يصح، لان المنافقين من جملة الكفار، وقد بين الكفار بقوله (ولا الذين يموتون وهم كفار): ومعناه وليست التوبة أيضا للذين يموتون على الكفر، ثم يندمون بعد الموت، (أولئك اعتدنا): أي هيأنا (لهم عذابا أليما):
أي موجعا.
وإنما لم يقبل الله تعالى التوبة في حال اليأس، واليأس من الحياة، لأنه يكون العبد هناك ملجأ إلى فعل الحسنات، وترك القبائح، فيكون خارجا عن حد التكليف، إذ لا يستحق على فعله المدح ولا الذم، وإذ زال عنه التكليف، لم تصح منه التوبة. ولهذا لم يكن أهل الآخرة مكلفين، ولا تقبل توبتهم. ومن استدل بظاهر قوله تعالى: (اعتدنا لهم عذابا أليما) على وجوب العقاب لمن مات من مرتكبي الكبائر من المؤمنين، قبل التوبة، فالانفصال عن استدلاله أن يقال: إن معنى إعداد العذاب لهم، إنما هو خلق النار التي هي مصيرهم، فالظاهر يقتضي استيجابهم لدخولها، وليس في الآية أن الله يفعل بهم ما يستحقونه لا محالة، ويحتمل أيضا أن يكون (أولئك) إشارة إلى الذين يموتون وهم كفار، لأنه أقرب إليه من قوله (للذين يعملون السيئات). ويحتمل أيضا أن يكون التقدير اعتدنا لهم العذاب إن عاملناهم بالعدل، ولم نشأ العفو عنهم، وتكون الفائدة فيه إعلامهم ما يستحقونه من العقاب، وأن لا يأمنوا من أن يفعل بهم ذلك، فإن قوله (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) لا