جهالة، وإن كان على سبيل العمد، لأنه يدعو إليها الجهل، ويزينها للعبد، عن ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وقتادة، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام، فإنه قال:
" كل ذنب عمله العبد، وإن كان عالما، فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربه ". فقد حكى الله تعالى قول يوسف لإخوته: (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون) فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله. وثانيها:
إن معنى قوله (بجهالة) أنهم لا يعلمون كنه ما فيه من العقوبة، كما يعلم الشئ ضرورة، عن الفراء وثالثها: إن معناه أنهم يجهلون أنها ذنوب ومعاص، فيفعلونها إما بتأويل يخطئون فيه، وإما بأن يفرطوا في الاستدلال على قبحها، عن الجبائي.
وضعف الرماني هذا القول لأنه بخلاف ما اجمع عليه المفسرون، ولأنه يوجب أن لا يكون لمن علم أنها ذنوب توبة، لأن قوله (إنما التوبة) تفيد أنها لهؤلاء دون غيرهم.
وقال أبو العالية وقتادة: " أجمعت الصحابة على أن كل ذنب أصابه العبد فهو جهالة " (1). وقال الزجاج: " إنما قال الجهالة، لأنهم في اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية جهال، فهو جهل في الاختيار "، ومعنى (يتوبون من قريب): أي يتوبون قبل الموت، لان ما بين الانسان وبين الموت قريب، فالتوبة مقبولة قبل اليقين بالموت. وقال الحسن، والضحاك، وابن عمر: " القريب ما لم يعاين الموت ".
وقال السدي: " هو ما دام في الصحة قبل المرض والموت ". وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قيل له: فإن عاد وتاب مرارا؟ قال: يغفر الله له. قيل: إلى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المسحور. وفي كتاب من لا يحضره الفقيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر خطبة خطبها: " من تاب قبل موته بسنة، تاب الله عليه " ثم قال: " وإن السنة لكثيرة، من تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه " ثم قال: " وإن الشهر لكثير من تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه " ثم قال: " وإن اليوم لكثير من تاب قبل موته بساعة، تاب الله عليه " ثم قال: " وإن الساعة لكثيرة، من تاب قبل موته، وقد بلغت نفسه هذه - وأهوى بيده إلى حلقه - تاب الله عليه ". وروى الثعلبي بإسناده، عن عبادة بن الصامت، عن النبي هذا الخبر بعينه، إلا أنه قال في آخره: " وإن الساعة لكثيرة، من تاب قبل أن يغرغر بها، تاب الله عليه ".