المعنى: لما بين الله تعالى أن اليهود تولوا عن أحكام التوراة، وصف التوراة وما أنزل فيها فقال (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى) أي: بيان للحق، ودلالة على الاحكام (ونور) أي: ضياء لكل ما تشابه عليهم، وجلاء لما أظلم عليهم، عن ابن عباس. وقيل: معناه فيها هدى بيان للحكم الذي جاؤوا يستفتون فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونور بيان أن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حق، عن الزجاج. (يحكم بها النبيون الذين أسلموا) معناه: يحكم بالتوراة النبيون الذين أذعنوا بحكم الله، وأقروا به، ونبينا داخل فيهم، عن الحسن، وقتادة، وعكرمة، والسدي، والزهري. وقال أكثرهم: هو المعني بذلك، لما حكم في رجم المحصن، وهذا لا يدل على أنه كان متعبدا بشرع موسى، لان الله هو الذي أوجب ذلك بوحي أنزله عليه، لا بالرجوع إلى التوراة، فصار ذلك شرعا له، وإن وافق ما في التوراة، ونبه بذلك اليهود على صحة نبوته، من حيث أخبر عما في التوراة، من غامض العلم، الذي قد التبس على كثير منهم، وقد عرفوا جميعا أنه لم يقرأ كتابهم، ولم يرجع في ذلك إلى علمائهم، فكان من دلائل صدقه صلى الله عليه وآله وسلم.
وقيل: يريد بالنبيين الأنبياء الذين كانوا بعد موسى، وذلك أنه كان في بني إسرائيل ألوف من الأنبياء، بعثهم الله لإقامة التوراة، يحدون حدودها، ويحلون حلالها، ويحرمون حرامها، عن ابن عباس. فمعناه: يقضي بها النبيون الذين أسلموا من وقت موسى إلى وقت عيسى، وصفهم بالاسلام، لان الاسلام دين الله، فكل نبي مسلم، وليس كل مسلم نبيا. وقوله (للذين هادوا) أي: تابوا عن الكفر، عن ابن عباس. وقيل: لليهود، واللام فيه يتعلق ب (حكم) أي: يحكمون بالتوراة لهم، وفيما بينهم. قال الزجاج: وجائز أن يكون المعنى على التقديم والتأخير، وتقديره: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور للذين هادوا، يحكم بها النبيون الذين أسلموا.
(والربانيون) الذي علت درجاتهم في العلم. وقيل: الذين يعملون بما يعلمون (والأحبار): العلماء الخيار، عن الزجاج. (بما استحفظوا) به أي: بما استودعوا (من كتاب الله) عن ابن عباس. وقيل: بما أمروا بحفظ ذلك، والقيام به، وترك تضييعه، عن الجبائي. (وكانوا عليه شهداء) أي: وكانوا على حكم النبي في الرجم أنه ثابت في التوراة، شهداء، عن ابن عباس. وقيل: كانوا شهداء