معنى مصدره، و (حكم) نصب، لأنه مفعول (يبغون) و (حكما) نصب على التمييز.
المعنى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) إنما كرر سبحانه الامر بالحكم بينهم لامرين أحدهما: انهما حكمان أمر بهما جميعا، لأنهم احتكموا إليه في الزنا لمحصن، ثم احتكموا إليه في قتيل كان بينهم، عن الجبائي، وجماعة من المفسرين، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام. والثاني: إن الأمر الأول مطلق، والثاني يدل على أنه منزل، (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) قيل فيه قولان: أحدهما: إن معناه احذرهم أن يضلوك عن ذلك إلى ما يهوون من الاحكام، بأن يطمعوك منهم في الإجابة إلى الاسلام، عن ابن عباس والثاني: إن معناه احذرهم أن يضلوك بالكذب على التوراة، لأنه ليس كذلك الحكم فيها، فإني قد بينت لك حكمها، عن ابن زيد. وفي هذه الآية دلالة على وجوب مجانبة أهل البدع والضلال، وذوي الأهواء، وترك مخالطتهم (فإن تولوا) أي: فإن أعرضوا عن حكمك بما أنزل الله (فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم): قيل في معناه أقوال أحدها: إن معناه، فاعلم يا محمد إنما يريد الله أن يعاقبهم ببعض إجرامهم، ذكر البعض والمراد به الكل، كما يذكر العموم، ويراد به الخصوص، عن الجبائي، والثاني: إنه ذكر البعض تغليظا للعقاب، والمراد أنه يكفي أن يؤاخذوا ببعض ذنوبهم في إهلاكهم، والتدمير عليهم والثالث: إنه أراد تعجيل بعض العقاب بما كان من التمرد في الإجرام، لان عذاب الدنيا يختص ببعض الذنوب، دون بعض، وعذاب الآخرة يعم. وقيل: المراد بذلك إجلاء بني النضير لان علماءهم لما كفروا وكتموا الحق، عوقبوا بالجلاء، عن الحسن. وقيل: المراد بنو قريظة لما نقضوا العهد يوم الأحزاب، عوقبوا بالقتل.
(وإن كثيرا من الناس لفاسقون) هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن امتناع القوم من الإقرار بنبوته، والإسراع إلى إجابته، بأن أهل الايمان قليل، وأهل الفسق كثير، فلا ينبغي أن يعظم عليك ذلك. ثم أنكر عليهم فعلهم فقال: (أفحكم الجاهلية يبغون) والمراد به اليهود، عن مجاهد، واختاره الجبائي قال: لأنهم كانوا إذا وجب الحكم على ضعفائهم ألزموهم إياه، وإذا وجب على أقويائهم وأشرافهم لم يؤاخذوهم به، فقيل لهم: أفحكم الجاهلية أي: عبدة الأوثان تطلبون، وأنتم أهل الكتاب. وقيل: