الكلام: السارق والسارقة فاقطعوا يمينهما جاز، لان المعنى اليمين من كل واحد منهما، قال الشاعر: (كلوا في بعض بطنكم تعيشوا). ويجوز في الكلام أن تقول:
ائتني برأس شاتين، وبرأسي شاة، فمن قال: برأس شاتين، أراد الرأس من كل شاة منهما. ومن قال: برأسي شاة، أراد رأسي هذا الجنس. قال الزجاج: إنما جمع ما كان في الشئ منه واحد عند الإضافة إلى الاثنين، لان الإضافة تبين أن المراد بذلك الجمع التثنية، لا الجمع، وذلك أنك إذا قلت: أشبعت بطونهما، علم أن للاثنين بطنين فقط.
وأصل التثنية الجمع، لأنك إذا ثنيت الواحد فقد جمعت واحدا إلى واحد، وربما كان لفظ الجمع أخف من لفظ الاثنين، فيختار لفظ الجمع، ولا يشتبه ذلك بالتثنية عند الإضافة إلى اثنين، لأنك إذا قلت: قلوبهما، فالتثنية في هما، قد أغنتك عن تثنية القلب. قال: وإن ثني ما كان في الشئ منه واحد، فذلك جائز عند جميع النحويين، وأنشد: (ظهراهما مثل ظهور الترسين) فجاء باللغتين، وهذا كما حكينا عن الفراء في قول الهذلي (فتخالسا نفسيهما) البيت. وقوله (جزاء بما كسبا) قال الزجاج: انتصب (جزاء) بأنه مفعول له، وكذلك (نكالا من الله) وإن شئت كانا منصوبين على المصدر الذي دل عليه (فاقطعوا) لان معنى (فاقطعوا) جازوهم ونكلوا بهم. قال الأزهري: تقديره لينكل غيره نكالا عن مثل فعله، من نكل ينكل: إذا جبن.
المعنى: لما ذكر تعالى الحكم فيمن أخذ المال جهارا، عقبه ببيان الحكم فيمن أخذ المال إسرارا، فقال (والسارق والسارقة) والألف واللام للجنس، فالمعنى كل من سرق رجلا كان، أو امرأة، وبدأ بالسارق هنا، لان الغالب وجود السرقة في الرجال، وبدأ في آية الزنا بالنساء، فقال: (الزانية والزاني) لان الغالب وجود ذلك في النساء (فاقطعوا أيديهما) أي: أيمانهما، عن ابن عباس، والحسن، والسدي، وعامة التابعين. قال أبو علي: في تخطي المسلمين إلى قطع الرجل اليسرى بعد قطع اليمنى، وتركهم قطع اليد اليسرى، دلالة على أن اليد اليسرى لم ترد بقوله (فاقطعوا أيديهما)، ألا ترى أنها لو أريدت بذلك لم يكونوا ليدعوا نص القرآن إلى غيره، وهذا يدل على أن جمع اليد في هذه الآية على حد جمع القلب، في قوله (فقد صغت قلوبكما) ودلت قراءة عبد الله بن مسعود، على