فأرسلوا إلى يهود المدينة، وكتبوا إليهم، أن يسألوا النبي عن ذلك، طمعا في أن يأتي لهم برخصة، فانطلق قوم منهم: كعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، وشعبة بن عمرو، ومالك بن الصيف، وكنانة بن أبي الحقيق، وغيرهم، فقالوا: يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا، ما حدهما؟ فقال: وهل ترضون بقضائي في ذلك؟ قالوا: نعم. فنزل جبرائيل بالرجم، فأخبرهم بذلك، فأبوا أن يأخذوا به، فقال جبرائيل: اجعل بينك وبينهم ابن صوريا، ووصفه له. فقال النبي: هل تعرفون شابا أمرد، أبيض، أعور، يسكن فدكا يقال له ابن صوريا؟ قالوا: نعم.
قال: فأي رجل هو فيكم؟ قالوا: أعلم يهودي بقي على ظهر الأرض بما أنزل الله على موسى. قال: فأرسلوا إليه، ففعلوا فأتاهم عبد الله بن صوريا، فقال له النبي:
إني أنشدك الله الذي لا إله إلا هو، الذي أنزل التوراة على موسى، وفلق لكم البحر، وأنجاكم، وأغرق آل فرعون، وظلل عليكم الغمام، وأنزل عليكم المن والسلوى، هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن؟ قال ابن صوريا: نعم والذي ذكرتني به، لولا خشية أن يحرقني رب التوراة إن كذبت أو غيرت، ما اعترفت لك، ولكن أخبرني كيف هي في كتابك يا محمد؟ قال: إذا شهد أربعة رهط عدول، أنه قد أدخله فيها، كما يدخل الميل في المكحلة، وجب عليه الرجم. قال ابن صوريا: هكذا أنزل الله في التوراة على موسى. فقال له النبي: فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله؟ قال: كنا إذا زنى الشريف تركناه، وإذا زنى الضعيف أقمنا عليه الحد، فكثر الزنا في أشرافنا، حتى زنى ابن عم ملك لنا، فلم نرجمه، ثم زنى رجل آخر، فأراد الملك رجمه، فقال له قومه: لا حتى ترجم فلانا، يعنون ابن عمه. فقلنا: تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم، يكون على الشريف والوضيع، فوضعنا الجلد والتحميم، وهو أن يجلد أربعين جلدة، ثم يسود وجوههما، ثم يحملان على حمارين، ويجعل وجوههما من قبل دبر الحمار، ويطاف بهما. فجعلوا هذا مكان الرجم.
فقالت اليهود لابن صوريا: ما أسرع ما أخبرته به، وما كنت لما أتينا عليك بأهل، ولكنك كنت غائبا، فكرهنا أن نغتابك! فقال: إنه أنشدني بالتوراة، ولولا ذلك لما أخبرته به. فأمر بهما النبي فرجما عند باب مسجده. وقال: أنا أول من أحيى أمرك إذ أماتوه فأنزل الله فيه: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير) فقام ابن صوريا، فوضع يديه على ركبتي