بحث الأرض ودفنه فيها، ففعل قابيل به مثل ذلك، عن ابن عباس، وابن مسعود، وجماعة. وفي ذلك دلالة على فساد قول الحسن، والجبائي، وأبي مسلم: إن ابني آدم كانا من بني إسرائيل. وقيل: معناه بعث الله غرابا يبحث التراب على القتيل، فلما رأى قابيل ما أكرم الله به هابيل، وأنه بعث طيرا ليواريه، وتقبل قربانه، (قال يا ويلتي)، عن الأصم. وقيل: كان ملكا في صورة الغراب. وفي هذا دلالة على أن الفعل من الغراب، وإن كان المعني بذلك الطير كان مقصودا، ولذلك أضاف سبحانه بعثه إلى نفسه، ولم يقع اتفاقا كما قاله أبو مسلم، ولكنه تعالى، ألهمه. وقال الجبائي: كان ذلك معجزا مثل حديث الهدهد، وحمله الكتاب، ورده الجواب إلى سليمان، ويجوز أن يزيد الله في فهم الغراب حتى يعرف هذا القدر كما نأمر صبياننا فيفهمون عنا.
(ليريه) أي: ليري الغراب قابيل (كيف يواري) أي: كيف يغطي، ويستر (سوأة أخيه) أي: عورة أخيه. وقال الجبائي: يريد جيفة أخيه، لأنه كان تركه حتى أنتن، فقيل لجيفته: سوأة. (قال يا ويلتي أعجزت) ههنا حذف، فإن التقدير ليريه كيف يواري سوأة أخيه، فواراه، فقال القاتل أخاه: يا ويلتي أعجزت (أن أكون) في هذا العلم (مثل هذا الغراب فأواري) أي: أستر (سوأة أخي) والسوأة: عبارة عما يكره. وعما ينكر (فأصبح من النادمين) على قتله، ولكن لم يندم على الوجه الذي يكون توبة، كمن يندم على الشرب، لأنه يصدعه، فلذلك لم يقبل ندمه، عن الجبائي. وقيل: من النادمين على حمله، لا على قتله، وقيل من النادمين على موت أخيه، لا على ارتكاب الذنب.
القصة: روت العامة عن جعفر الصادق عليه السلام قال: " قتل قابيل هابيل، وتركه بالعراء لا يدري ما يصنع به، فقصده السباع، فحمله في جراب على ظهره حتى أروح (1)، وعكفت عليه الطير والسباع، تنتظر متى يرمي به فتأكله، فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه، ثم حفر له بمنقاره وبرجله، ثم ألقاه في الحفيرة، وواراه، وقابيل ينظر إليه، فدفن أخاه، وعن ابن عباس قال: لما قتل قابيل هابيل، أشاك (2) الشجر، وتغيرت الأطعمة، وحمضت الفواكه، وأمر الماء، واغبرت الأرض، فقال آدم قد حدث في الأرض حدث، فأتى الهند، فإذا قابيل قد قتل