رسول الله، ثم قال: هذا مقام العائذ بالله وبك، أن تذكر لنا الكثير الذي أمرت أن تعفو عنه، فأعرض النبي عن ذلك.
ثم سأله ابن صوريا عن نومه؟ فقال: تنام عيناي ولا ينام قلبي. فقال:
صدقت، وأخبرني عن شبه الولد بأبيه، ليس فيه من شبه أمه شئ، أو بأمه ليس فيه من شبه أبيه شئ؟ فقال أيهما علا وسبق (1) ماء صاحبه، كان الشبه له. قال: قد صدقت، فأخبرني ما للرجل من الولد، وما للمرأة منه؟ قال: فأغمي على رسول الله طويلا، ثم خلي عنه محمرا وجهه، يفيض عرقا، فقال: اللحم، والدم، والظفر، والشحم (2) للمرأة، والعظم والعصب والعروق للرجل. قال له: صدقت أمرك أمر نبي. فأسلم ابن صوريا عند ذلك، وقال: يا محمد من يأتيك من الملائكة؟ قال:
جبرائيل. قال: صفه لي. فوصفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أشهد أنه في التوراة كما قلت، وأنك رسول الله حقا.
فلما أسلم ابن صوريا، وقعت فيه اليهود وشتموه، فلما أرادوا أن ينهضوا، تعلقت بنو قريضة ببني النضير، فقالوا: يا محمد إخواننا بنو النضير: أبونا واحد، وديننا واحد، ونبينا واحد، إذا قتلوا منا قتيلا، لم يقد وأعطونا ديته سبعين وسقا من تمر، وإذا قتلنا منهم قتيلا، قتلوا القاتل، وأخذوا منا الضعف مائة وأربعين وسقا من تمر، وإن كان القتيل امرأة، قتلوا بها الرجل منا، وبالرجل منهم رجلين منا، وبالعبد الحر منا، وجراحاتنا على النصف من جراحاتهم، فاقض بيننا وبينهم فأنزل الله في الرجم والقصاص الآيات.
المعنى: لما تقدم ذكر اليهود والنصارى، عقبه سبحانه بتسلية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمانه من كيدهم فقال: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون) أي: لا يغمك. وقرئ لا يحزنك. ومعناهما واحد (الذين يسارعون) أي: مسارعة الذين يسارعون (في الكفر) أي: يبادرون فيه بالاصرار عليه والتمسك به (من) المنافقين (الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا) أي: ومن اليهود (سماعون للكذب) قيل: هو كناية عن اليهود والمنافقين. وقيل: عن اليهود خاصة. والمعنى: سماعون قولك ليكذبوا عليك (سماعون) كلامك (لقوم آخرين لم يأتوك) ليكذبوا عليك إذا رجعوا (3) أي: هم عيون عليك، لأنهم كانوا رسل