بالشرطين: البلوغ، وإيناس الرشد، فلا يجوز الدفع قبلهما. (ولا تأكلوها إسرافا): أي بغير ما أباحه الله لكم. وقيل: معناه لا تأكلوا من مال اليتيم فوق ما تحتاجون إليه، فإن لولي اليتيم أن يتناول من ماله قدر القوت إذا كان محتاجا على وجه الأجرة على عمله في مال اليتيم. وقيل: إن كل شئ من مال اليتيم فهو الأكل على وجه الإسراف. والأول أليق بمذهبنا، فقد روى محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن رجل بيده ماشية لابن أخ له يتيم في حجره، أيخلط أمرها بأمر ماشيته! قال: إن كان يليط حياضها، ويقوم على مهنتها، ويرد نادتها، فليشرب من ألبانها، غير منهك للحلبات (1) ولا مضر بالولد.
وقوله (وبدارا أن يكبروا): أي ومبادرة لكبرهم، معناه لا تبادروا بأكل مالهم كبرهم ورشدهم، حذرا أن يبلغوا فيلزمكم تسليم المال إليهم. (ومن كان غنيا فليستعفف): أي من كان غنيا من الأولياء، فليستعفف بماله عن أكل مال اليتيم، ولا يأخذ لنفسه منه لا قليلا ولا كثيرا، يقال استعف عن الشئ، وعف عنه، إذا امتنع منه وتركه.
(ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف): ومعناه من كان فقيرا، فليأخذ من مال اليتيم قدر الحاجة والكفاية على جهة القرض، ثم يرد عليه ما أخذ منه إذا وجد، عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وأبي العالية، والزهري، وعبيدة السلماني، وهو مروي عن الباقر عليه السلام. وقيل: معناه يأخذ قدر ما يسد به جوعته، ويستر عورته، لا على جهة القرض، عن عطاء بن أبي رباح، وقتادة، وجماعة. ولم يوجبوا أجرة المثل، لأن أجرة المثل ربما كانت أكثر من قدر الحاجة، والظاهر في روايات أصحابنا أن له أجرة المثل سواء كان قدر كفايته، أو لم يكن. وسئل ابن عباس عن ولي يتيم له إبل، هل له أن يصيب من ألبانها فقال: إن كنت تلوط حوضها، وتهنأ جرباها، أصبت من رسلها، غير مضر بنسل، ولا ناهك في الحلب. والرسل: اللبن. والنهك: المبالغة في الحلب.
(فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم): وهذا خطاب أيضا لأولياء اليتيم، أي إذا دفعتم إلى اليتامى أموالهم بعد البلوغ، فاحتاطوا لأنفسكم بالإشهاد