تقولوا هم ثلاثة. وكذلك كل ما ورد من مرفوع بعد القول لا رافع معه، ففيه إضمار اسم رافع لذلك الاسم، وإنما جاز ذلك، لان القول حكاية، والحكاية تكون لكلام تام. (انتهوا خيرا لكم): قد ذكرنا وجه النصب في (خيرا) فيما قيل، وأن يكون في موضع نصب أي: سبحانه من أن يكون. فلما حذف حرف الجر، وصل إليه الفعل، فنصبه. وقيل: في موضع جر، وقد مر نظائره.
المعنى: ثم عاد سبحانه إلى حجاج أهل الكتاب فقال (يا أهل الكتاب) قيل:
إنه خطاب لليهود والنصارى، عن الحسن، قال: لأن النصارى غلت في المسيح، فقالت: هو ابن الله، وبعضهم قال: هو الله، وبعضهم قال: هو ثالث ثلاثة:
الأب، والابن، وروح القدس، واليهود غلت فيه حتى قالوا ولد لغير رشدة (1)، فالغلو لازم للفريقين. وقيل: للنصارى خاصة، عن أبي علي، وأبي مسلم، وجماعة من المفسرين (لا تغلوا في دينكم) أي: لا تفرطوا في دينكم ولا تجاوزوا الحق فيه (ولا تقولوا على الله إلا الحق) أي: قولوا إنه، جل جلاله، واحد لا شريك له، ولا صاحبة، ولا ولد، ولا تقولوا في عيسى إنه ابن الله، أو شبهه، فإنه قول بغير الحق.
(إنما المسيح) وقد ذكرنا معناه. وقيل: سمي بذلك لأنه كان يمسح الأرض مشيا (عيسى بن مريم): هذا بيان لقوله المسيح يعني: إنه ابن مريم، لا ابن الله، كما يزعمه النصارى، ولا ابن أب، كما تزعمه اليهود. (رسول الله) أرسله الله إلى الخلق، لا كما زعم الفرقتان المبطلتان (وكلمته) يعني أنه حصل بكلمته التي هي قوله كن، عن الحسن، وقتادة. وقيل: معناه أنه يهتدي به الخلق، كما اهتدوا بكلام الله ووحيه، عن أبي علي الجبائي. وقيل: معناه بشارة الله التي بشر بها مريم على لسان الملائكة، كما قال: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة) وهو المراد بقوله (ألقاها إلى مريم) كما يقال ألقيت إليك كلمة حسنة أي: قلت.
وقيل: معنى (ألقاها إلى مريم): خلقها في رحمها، عن الجبائي (وروح منه) فيه أقوال أحدها: إنه إنما سماه روحا، لأنه حدث عن نفخة جبرائيل في درع مريم، بأمر الله تعالى، وإنما نسبه إليه، لأنه كان بأمره. وقيل: إنما أضافه إلى نفسه تفخيما لشأنه، كما قال: الصوم لي وأنا أجزي به. وقد يسمى النفخ روحا،