ودرهم منكوف: مبهرج ردئ، لأنه يمتنع من أخذه لرداءته. ونكفت من الامر، بكسر الكاف، بمعنى: استنكفت أيضا، حكاها أبو عمرو. فتأويل (لن يستنكف): لن ينقبض، ولم يمتنع والاستكبار: طلب الكبر من غير استحقاق.
والتكبر: قد يكون باستحقاق، فلذلك جاز في صفة الله تعالى المتكبر، ولا يجوز المستكبر.
النزول: روي أن وفد نجران قالوا لنبينا: يا محمد لم تعيب صاحبنا؟ قال:
ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى عليه السلام. قال: وأي شئ أقول فيه؟ قالوا: تقول: إنه عبد الله ورسوله. فنزلت الآية.
المعنى: لما تقدم ذكر النصارى، والحكاية عنهم في أمر المسيح، عقبه سبحانه بالرد عليهم، فقال: (لن يستنكف) أي: لن يأنف، ولم يمتنع (المسيح) يعني عيسى عليه السلام من (أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون) أي: ولا الملائكة المقربون يأنفون، ويستكبرون عن الاقرار بعبوديته، والإذعان له بذلك، والمقربون الذين قربهم تعالى، ورفع منازلهم على غيرهم من خلقه (ومن يستنكف عن عبادته) أي: من يأنف عن عبادته (ويستكبر) أي: يتعظم بترك الاذعان لطاعته (فسيحشرهم) أي: فسيبعثهم (إليه) يوم القيامة (جميعا) يجمعهم لموعدهم عنده. ومعنى قوله (إليه): أي: إلى الموضع الذي لا يملك التصرف فيه سواه، كما يقال صار أمر فلان إلى الأمير أي: لا يملكه غير الأمير، ولا يراد بذلك المكان الذي فيه الأمير.
واستدل بهذه الآية من قال بأن الملائكة أفضل من الأنبياء، قالوا: إن تأخير ذكر الملائكة في مثل هذا الخطاب، يقتضي تفضيلهم، لان العادة لم تجر بأن يقال لن يستنكف الأمير أن يفعل كذا، ولا الحارس، بل يقدم الأدون، ويؤخر الأعظم، فيقال: لن يستنكف الوزيران بفعل كذا، ولا السلطان. وهذا يقتضي فضل الملائكة على الأنبياء. وأجاب أصحابنا عن ذلك بأن قالوا: إنما أخر ذكر الملائكة، عن ذكر المسيح، لان جميع الملائكة أفضل، وأكثر ثوابا من المسيح، وهذا لا يقتضي أن يكون كل واحد منهم أفضل من المسيح، وإنما الخلاف في ذلك، وأيضا فإنا وإن ذهبنا إلى أن الأنبياء أفضل من الملائكة، فإنا نقول، مع قولنا بالتفاوت، إنه لا تفاوت في الفضل بين الأنبياء والملائكة، ومع التقارب والتداني، يحسن أن يقدم ذكر