واستشهد على ذلك ببيت ذي الرمة، يصف نارا:
فقلت له ارفعها إليك وأحيها * بروحك، واقتته لها قيتة قدرا وظاهر لها من يابس الشخت، واستعن (1) * عليه الصبا، واجعل يديك لها سترا ومعنى أحيها بروحك أي: بنفخك. ويقال أقتت النار: إذا أطعمتها حطبا.
والثاني: إن المراد به: يحيي به الناس في دينهم، كما يحيون بالأرواح، عن الجبائي، فيكون المعنى أنه جعله نبيا يقتدى به، ويستن بسنته، ويهتدى بهداه والثالث: إن معناه انسان أحياه الله بتكوينه بلا واسطة من جماع، أو نطفة كما جرت العادة بذلك، عن أبي عبيدة والرابع: إن معناه ورحمة منه، كما قال في موضع آخر (وأيدهم بروح منه) أي: برحمة منه، فجعل الله عيسى رحمة على من آمن به واتبعه، لأنه هداهم إلى سبيل الرشاد والخامس: إن معناه روح من الله خلقها فصورها، ثم أرسلها إلى مريم، فدخلت في فيها، فصيرها الله تعالى عيسى، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب. السادس: إن معنى الروح ها هنا جبرائيل عليه السلام، فيكون عطفا على ما في ألقاها من ضمير ذكر الله، وتقديره: ألقاها الله إلى مريم وروح منه أي: من الله أي جبرائيل ألقاها أيضا إليها.
(فآمنوا بالله ورسله) أمرهم الله بتصديقه، والاقرار بوحدانيته، وتصديق رسله، فيما جاؤوا به من عنده، وفيما أخبروهم به من أن الله سبحانه، لا شريك له، ولا صاحبة، ولا ولد (ولا تقولوا ثلاثة) هذا خطاب للنصارى أي: لا تقولوا إلهنا ثلاثة، عن الزجاج. وقيل: هذا لا يصح لان النصارى لم يقولوا بثلاثة آلهة، ولكنهم يقولون إله واحد، ثلاثة أقانيم: أب، وابن، وروح القدس، ومعناه: لا تقولوا الله ثلاثة: أب، وابن، وروح القدس. وقد شبهوا قولهم: جوهر واحد ثلاثة أقانيم، بقولنا: سراج واحد. ثم تقول ثلاثة أشياء: دهن، وقطن، ونار. وشمس واحدة: وإنما هي جسم، وضوء، وشعاع. وهذا غلط بعيد، لأنا لا نعني بقولنا سراج واحد: إنه شئ واحد، بل هو أشياء على الحقيقة، وكذلك الشمس كما تقول عشرة واحدة، وإنسان واحد، ودار واحدة، وإنما هي أشياء متغايرة، فإن قالوا: إن الله شئ واحد، وإله واحد حقيقة، فقولهم ثلاثة متناقضة. وإن قالوا: إنه في