طويل. ومعلوم أن الذين أخذتهم الصاعقة، لم يكن ذلك عقوبة على رميهم مريم بالبهتان، ولا على قولهم: (إنا قتلنا المسيح). فبان بذلك أن الذين قالوا هذه المقالة، غير الذين عوقبوا بالصاعقة. وهذا الكلام إنما يتجه على قول من قال: إنه يتصل بما قبله، ولا يتجه على قول الزجاج. وهذا أقوى، لأنه إذا أمكن إجراء الكلام على ظاهره، من غير تقدير حذف، فالأولى أن يحمل عليه.
وقوله (وبكفرهم) أي: بجحود هؤلاء لعيسى (وقولهم على مريم بهتانا عظيما) أي: أعظم كذب وأشنعه، وهو رميهم إياها بالفاحشة، عن ابن عباس، والسدي. قال الكلبي: " مر عيسى برهط، فقال بعضهم لبعض: " قد جاءكم الساحر ابن الساحرة، والفاعل ابن الفاعلة " فقذفوه بأمه، فسمع ذلك عيسى، فقال: اللهم أنت ربي خلقتني ولم آتهم من تلقاء نفسي، اللهم العن من سبني، وسب والدتي!
فاستجاب الله دعوته فمسخهم خنازير ".
(وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله) يعني: قول اليهود: (إنا قتلنا عيسى بن مريم رسول الله) حكاه الله تعالى عنهم، أي: رسول الله في زعمه، وقيل: إنه من قول الله سبحانه، لا على وجه الحكاية عنهم، وتقديره: الذي هو رسولي (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) واختلفوا في كيفية التشبيه:
فروي عن ابن عباس أنه قال: لما مسخ الله تعالى الذين سبوا عيسى وأمه بدعائه، بلغ ذلك يهوذا وهو رأس اليهود، فخاف أن يدعو عليه، فجمع اليهود، فاتفقوا على قتله، فبعث الله تعالى جبرائيل يمنعه منهم، ويعينه عليهم. وذلك معنى قوله (وأيدناه بروح القدس)، فاجتمع اليهود حول عيسى، فجعلوا يسألونه فيقول لهم: يا معشر اليهود! إن الله تعالى يبغضكم، فساروا إليه ليقتلوه، فأدخله جبرائيل في خوخة البيت الداخل لها روزنة في سقفها، فرفعه جبرائيل إلى السماء، فبعث يهوذا رأس اليهود رجلا من أصحابه اسمه طيطانوس، ليدخل عليه الخوخة فيقتله، فدخل فلم يره، فأبطأ عليهم، فظنوا أنه يقاتله في الخوخة، فألقى الله عليه شبه عيسى. فلما خرج على أصحابه، قتلوه وصلبوه. وقيل: ألقى عليه شبه وجه عيسى، ولم يلق عليه شبه جسده، فقال بعض القوم: إن الوجه وجه عيسى، والجسد جسد طيطانوس. وقال بعضهم: إن كان هذا طيطانوس فأين عيسى؟ وإن كان هذا عيسى، فأين طيطانوس؟ فاشتبه الامر عليهم. وقال وهب بن منبه: أتى