(وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) أي: القرآن والسنة، واتصاله بما قبله أن المعنى كيف يضلونك وهو ينزل عليك الكتاب، ويوحي إليك بالاحكام (وعلمك ما لم تكن تعلم) أي: ما لم تعلمه من الشرائع وأنباء الرسل الأولين، وغير ذلك من العلوم (وكان فضل الله عليك عظيما) قيل: فضله عليك منذ خلقك إلى أن بعثك عظيم، إذ جعلك خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وأعطاك الشفاعة وغيرها. ثم قال (لا خير في كثير من نجواهم) أي: أسرارهم. ومعنى النجوى، لا يتم إلا بين اثنين فصاعدا، كالدعوى. (إلا من أمر بصدقة) فإن في نجواه خيرا (أو معروف) يعني بالمعروف: أبواب البر، لاعتراف العقول بها. وقيل: لان أهل الخير يعرفونها (أو إصلاح بين الناس) أي: تأليف بينهم بالمودة.
وقال علي بن إبراهيم في تفسيره: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي عبد الله قال: إن الله فرض التجمل (1) في القرآن فقال، قلت:
وما التجمل في القرآن جعلت فداك؟ قال: أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك، فتجمل له وهو قوله (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف) الآية قال: وحدثني أبي رفعه إلى أمير المؤمنين أنه قال: " إن الله فرض عليكم زكاة جاهكم، كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم ". (ومن يفعل ذلك) يعني ما تقدم ذكره (ابتغاء مرضات الله) أي: لطلب رضاء الله (فسوف نؤتيه) أي: نعطيه (أجرا عظيما) أي: مثوبة عظيمة في الكثرة، والمنزلة والصفة. أما الكثرة فلانه دائم، وأما المنزلة فلانه مقارن للتعظيم والاجلال، وأما الصفة فلانه غير مشوب بما ينغصه.
وفي الآية دلالة على أن فاعل المعصية، هو الذي يضر بنفسه لما يعود عليه من وبال فعله. وفيها دلالة أيضا على أن الذي يدعو إلى الضلال، هو المضل، وعلى أن فاعل الضلال مضل لنفسه، وعلى أن الدعاء إلى الضلال، يسمى إضلالا.
(ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل