على اتباع لكثير بمعنى: لا خير في كثير إلا فيمن أمر بصدقة، كما يقال: لا خير في القوم إلا نفر منهم، ويكون النجوى هنا بمعنى المتناجين نحو قوله (وإذ هم نجوى). ويجوز أيضا أن يكون استثناء حقيقيا على تقدير لا خير في نجوى الناس إلا نجوى من أمر. وهذا أولى مما تقدم من الاستثناء المنقطع لان حمل الكلام على الاتصال أولى، إذا لم يخل بالمعنى.
النزول: قيل نزلت في بني أبيرق، وقد مضت قصتهم، عن أبي صالح، عن ابن عباس. وقيل: نزلت في وفد من ثقيف، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا: يا محمد! جئناك نبايعك على أن لا نكسر أصنامنا بأيدينا، وعلى أن نمتع بالعزى سنة.
فلم يجبهم إلى ذلك، وعصمه الله منهم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس.
المعنى: ثم بين سبحانه لطفه برسوله، وفضله عليه، إذ صرف كيدهم عنه، وعصمه من الميل إليهم فقال: (ولولا فضل الله عليك ورحمته) قيل: فضل الله النبوة، ورحمته نصرته إياه بالوحي. وقيل: فضله تأييده بألطافه، ورحمته: نعمته، عن الجبائي. وقيل: فضله النبوة، ورحمته العصمة (لهمت طائفة منهم) لقصدت وأضمرت جماعة من هؤلاء الذين تقدم ذكرهم. (أن يضلوك) فيه أقوال أحدها: إن المعني بهم الذين شهدوا للخائنين من بني أبيرق بالبراءة، عن ابن عباس، والحسن، والجبائي، فيكون المعنى: همت طائفة منهم أن يزيلوك عن الحق، بشهادتهم للخائنين، حتى أطلعك الله على أسرارهم. وثانيها: إنهم وفد ثقيف الذين التمسوا من رسول الله ما لا يجوز، وقد مضى ذكرهم، عن ابن عباس أيضا.
وثالثها: إنهم المنافقون الذي هموا بإهلاك النبي، والمراد بالإضلال القتل والإهلاك كما في قوله تعالى (أإذا ضللنا في الأرض) فيكون المعنى: لولا حفظ الله تعالى لك، وحراسته إياك، لهمت طائفة من المنافقين أن يقتلوك ويهلكوك، ومثله: وهموا بما لم ينالوا، عن أبي مسلم (وما يضلون إلا أنفسهم) أي: وما يزيلون عن الحق إلا أنفسهم. وقيل: ما يهلكون إلا أنفسهم. ومعناه: إن وبال ما هموا به من الإهلاك والإذلال، يعود عليهم حتى استحقوا العذاب الدائم (وما يضرونك من شئ) أي: لا يضرونك بكيدهم ومكرهم شيئا، فإن الله حافظك، وناصرك، ومسددك، ومؤيدك.