وقيل: معنى (أسلم وجهه لله): قصده بالعبادة وحده، كما أخبر عن إبراهيم عليه السلام أنه قال (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض). وقيل: معناه أخلص أعماله لله أي: أتى بها مخلصا لله فيها (وهو محسن) أي: فاعل للفعل الحسن الذي أمره الله تعالى. وقيل معناه: وهو محسن في جميع أقواله وأفعاله. وقيل: إن المحسن هنا الموحد، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الاحسان فقال: " أن تعبد الله تعالى كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
(واتبع ملة إبراهيم) أي اقتدى بدينه وسيرته وطريقته، يعني ما كان عليه إبراهيم وأمر به بنيه من بعده، وأوصاهم به، من الإقرار بتوحيده، وعدله، وتنزيهه عما لا يليق به، ومن ذلك الصلاة إلى الكعبة، والطواف حولها، وسائر المناسك (حنيفا) أي: مسستقيما على منهاجه وطريقه. وقد مر معنى الحنيف في سورة البقرة (واتخذ الله إبراهيم خليلا) أي: محبا لا خلل في مودته لكمال خلته. والمراد بخلته لله أنه كان مواليا لأولياء الله، ومعاديا لأعداء الله. والمراد بخلة الله تعالى له: نصرته على من أراده بسوء، كما أنقذه من نار نمرود، وجعلها عليه بردا وسلاما، وكما فعله بملك مصر، حين راوده عن أهله، وجعله إماما للناس، وقدوة لهم.
قال الزجاج: جايز أن يكون سمي خليل الله بأنه الذي أحبه الله، بأن اصطفاه محبة تامة كاملة، وأحب الله هو، محبة تامة كاملة، وقيل: سمي خليلا لأنه افتقر إلى الله، وتوكل عليه، وانقطع بحوائجه إليه، وهو اختيار الفراء، وأبي القاسم البلخي. وإنما خصه الله بهذا الاسم، وإن كان الخلق كلهم فقراء إلى رحمته، تشريفا له بالنسبة إليه، من حيث أنه فقير إليه، لا يرجو لسد خلته سواء، كما خص موسى بأنه كليم الله، وعيسى بأنه روح الله، ومحمدا بأنه حبيب الله. وقيل: إنما سمي خليلا، لأنه سبحانه خصه بما لم يخص به غيره، من إنزال الوحي عليه، وغير ذلك من خصائصه.
وإنما خصه من بين سائر الأنبياء بهذا الاسم على المعنيين اللذين ذكرناهما، وإن كان كل واحد من الأنبياء خليل الله في زمانه، لأنه سبحانه خصهم بالنبوة. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " قد اتخذ الله صاحبكم خليلا - يعني نفسه " - وهذا الوجه اختيار أبي علي الجبائي. قال: وكل ما تعبد الله به إبراهيم فقد تعبد به نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وزاده أشياء لم يتعبد بها إبراهيم عليه السلام. ومما قيل في وجه خلة