شديدا في كفره وعصيانه، متماديا في شركه وطغيانه، يسأل عن هذا فيقال: كيف نفى في أول الكلام عبادتهم لغير الأوثان، ثم أثبت في آخره عبادتهم الشيطان، فأثبت في الآخر ما نفاه في الأول؟ أجاب الحسن عن هذا، فقال: إنهم لم يعبدوا إلا الشيطان في الحقيقة، لان الأوثان كانت مواتا، ما دعت أحدا إلى عبادتها، بل الداعي إلى عبادتها الشيطان، فأضيفت العبادة إلى الشيطان، بحكم الدعاء، وإلى الأوثان، لأجل أنهم كانوا يعبدونها، ويدل عليه قوله تعالى: (ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن) أضافت الملائكة عبادتهم إلى الجن من قبل أن الجن دعتهم إلى عبادة الملائكة. وقال ابن عباس: " كان في كل واحد من أصنامهم التي كانوا يعبدونها شيطان مريد، يدعو المشركين إلى عبادتها، فلذلك حسن إضافة العبادة إلى الأصنام وإلى الشيطان ". وقيل: ليس في الآية إثبات المنفي، بل ما يعبدون إلا الأوثان وإلا الشيطان، وهو إبليس (لعنه الله): أبعده الله عن الخير، بإيجاب الخلود في نار جهنم (وقال) يعني الشيطان: لما لعنه الله: (لأتخذن من عبادك نصيبا) أي: حظا (مفروضا) أي: معلوما، عن الضحاك. وقيل: مقدرا محدودا، وأصل الاتخاذ: أخذ الشئ على وجه الاختصاص، فكل من أطاعه فإنه من نصيبه وحزبه، كما قال سبحانه (كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله).
وروي أن النبي قال في هذه الآية: " من بني آدم تسعة وتسعون في النار، وواحد في الجنة " وفي رواية أخرى: " من كل ألف واحد لله، وسائرهم للنار ولإبليس " أوردهما أبو حمزة الثمالي في تفسيره. ويقال: كيف علم إبليس أن له أتباعا يتابعونه؟ والجواب: علم ذلك من قوله (لأملأن جهنم منك وممن تبعك) وقيل: إنه لما نال من آدم ما نال، طمع في ولده، وإنما قال ذلك ظنا، ويؤيده قوله تعالى:
(ولقد صدق عليهم إبليس ظنه) (ولأضلنهم) هذا من مقالة إبليس يعني: لأضلنهم عن الحق والصواب. وإضلاله: دعاؤه إلى الضلال، وتسبيبه له بحبائله، وغروره، ووساوسه. (ولأمنينهم) يعني: أمنينهم طول البقاء في الدنيا، فيؤثرون بذلك الدنيا ونعيمها، على الآخرة. وقيل: معناه أقول لهم: ليس وراءكم بعث، ولا نشر، ولا جنة، ولا نار، ولا ثواب، ولا عقاب، فافعلوا ما شئتم، عن الكلبي.
وقيل معناه أمنينهم بالأهواء الباطلة الداعية إلى المعصية، وأزين لهم شهوات الدنيا وزهراتها، وأدعو كلا منهم إلى نوع يميل طبعه إليه، فأصده بذلك عن الطاعة،