اللغة: التدبر: النظر في عواقب الأمور. والتدابر: التقاطع، لان كل واحد يولي الآخر دبره بعداوته له. ودبر القوم، يدبرون، دبارا: هلكوا، لأنهم يذهبون في جهة الإدبار عن الغرض. والفرق بين التدبر والتفكر: إن التدبر تصرف القلب بالنظر في العواقب، والتفكر: تصرف القلب بالنظر في الدلائل. والاختلاف هو امتناع أحد الشيئين أن يسد مسد الآخر فيما يرجع إلى ذاته، كالسواد الذي لا يسد مسد البياض، وكذلك الذهاب في الجهات المختلفة. وأصل الإذاعة: التفريق، قال تبع لما ورد المدينة:
ولقد شربت على براجم شربة * كادت بباقية الحياة تذيع أي تفرق، وبراجم: ماء بالمدينة كان يشرب منه، فتشبثت بحلقه علقة وذاع الخبر ذيعا، ورجل مذياع: لا يستطيع كتمان خبر. وأذاع الناس بما في الحوض:
إذا شربوه، وأذاعوا بالمتاع: ذهبوا به. والإذاعة، والإشاعة، والإفشاء، والإعلان، والإظهار: نظائر. وضده الكتمان، والإسرار، والإخفاء. وأصل الاستنباط: الاستخراج. يقال لكل ما استخرج حتى يقع عليه رؤية العين، أو معرفة القلب: قد استنبط. والنبط: الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر. وأنبط فلان: أي استنبط الماء من طين حر، ومنه اشتقاق النبط لاستنباطهم العيون.
المعنى: (أفلا يتدبرون القرآن) أي أفلا يتفكر اليهود والمنافقون في القرآن، إذ ليس فيه خلل، ولا تناقض، ليعلموا أنه حجة. وقيل: ليعلموا أنهم لا يقدرون على مثله، فيعرفوا أنه ليس بكلام أحد من الخلق. وقيل: ليعرفوا اتساق معانيه، وائتلاف أحكامه وشهادة بعضه لبعض، وحسن عباراته. وقيل: ليعلموا كيف اشتمل على أنواع الحكم من أمر بحسن، ونهي عن قبيح، وخبر عن مخبر صدق، ودعاء إلى مكارم الأخلاق، وحث على الخير والزهد، مع فصاحة اللفظ، وجودة النظم، وصحة المعنى، فيعرفوا أنه خلاف كلام البشر.
والأولى أن تحمل على الجميع لان من تدبر فيه علم جميع ذلك (ولو كان من عند غير الله) أي كلام غير الله: أي لو كان من عند النبي، أو كان يعلمه بشر كما زعموا (لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) قيل فيه أقوال أحدها: إن معناه لوجدوا فيه اختلاف تناقض من جهة حق وباطل، عن قتادة، وابن عباس. والثاني: اختلافا في الإخبار عما يسرون. عن الزجاج. والثالث: من جهة بليغ ومرذول، عن أبي علي.