الدلالة على الطريق المؤدي إلى البغية، وله تصرف كثير يرجع جميعه إلى هذه النكتة. ذكرناها في سورة البقرة عند قوله (وما يضل به إلا الفاسقين) وتعالوا: أصله من العلو، فإذا قلت لغيرك تعال: فمعناه ارتفع إلي، وصددت: الأصل فيه أن لا يتعدى، تقول صددت عن فلان أصد: بمعنى أعرضت عنه. ويجوز صددت فلانا عن فلان بالتعدي، لأنه دخله معنى: منعته عنه، ومثله رجعت أنا، ورجعت غيري، لأنه دخله معنى: رددته.
الإعراب: (صدودا): نصب على المصدر على وجه التأكيد للفعل، كقوله (وكلم الله موسى تكليما) والمعنى أنه ليس ذلك على بيان مثل الكلام، بل حكمه في الحقيقة. وقيل في معنى (تكليما) أنه كلمه تكليما شريفا عظيما، فيمكن تقدير مثل ذلك في الآية: أي يصدون عنك صدودا عظيما.
النزول: كان بين رجل من اليهود، ورجل من المنافقين، خصومة. فقال اليهودي: أحاكم إلى محمد، لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ولا يجور في الحكم.
فقال المنافق: لا بل بيني وبينك كعب بن الأشرف، لأنه علم أنه يأخذ الرشوة، فنزلت الآية، عن أكثر المفسرين.
المعنى: لما أمر الله أولي الامر بالحكم والعدل، وأمر المسلمين بطاعتهم، وصل ذلك بذكر المنافقين الذين لا يرضون بحكم الله ورسوله، فقال (ألم تر): أي ألم تعلم. وقيل: إنه تعجب منه أي: ألم تتعجب من صنيع هؤلاء. وقيل: ألم ينته علمك (إلى) هؤلاء (الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك) من القرآن، (وما أنزل من قبلك) من التوراة والإنجيل، (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت): يعني كعب بن الأشرف، عن ابن عباس، ومجاهد، والربيع، والضحاك. وقيل: إنه كاهن من جهينة، أراد المنافق أن يتحاكم إليه، عن الشعبي، وقتادة. وقيل: أراد به ما كانوا يتحاكمون فيه إلى الأوثان، بضرب القداح، عن الحسن.
وروى أصحابنا عن السيدين الباقر عليه السلام، والصادق عليه السلام، أن المعني به كل من يتحاكم إليه ممن يحكم بغير الحق. (وقد أمروا أن يكفروا به): يعني به قوله تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها). (ويريد الشيطان) بما زين لهم (أن يضلهم ضلالا بعيدا) عن الحق. نسب