بتحريمه و لا زجرهم عن تعاطيه فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده رابعها معنى قوله يعذب ببكاء أهله أي بنظير ما يبكيه أهله به و ذلك أن الأفعال التي يعددون بها عليه غالبا تكون من الأمور المنهية فهم يمدحونه بها و هو يعذب بصنيعه ذلك و هو عين ما يمدحونه به و هذا اختيار ابن حزم و طائفة و استدل له بحديث ابن عمر الآتي بعد عشرة أبواب في قصة موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه و سلم و فيه و لكن يعذب بهذا و أشار إلى لسانه قال ابن حزم فصح أن البكاء الذي يعذب به الإنسان ما كان منه باللسان إذ يندبونه برياسته التي جار فيها و شجاعته التي صرفها في غير طاعة الله و جوده الذي لم يضعه في الحق فأهله يبكون عليه بهذه المفاخر و هو يعذب بذلك و قال الإسماعيلي كثر كلام العلماء في هذه المسألة و قال كل مجتهدا على حسب ما قدر له و من أحسن ما حضرني وجه لم أرهم ذكروه و هو إنهم كانوا في الجاهلية يغيرون و يسبون و يقتلون و كان أحدهم إذا مات بكته باكيته بتلك الأفعال المحرمة فمعنى الخبر أن الميت يعذب بذلك الذي يبكي عليه أهله به لأن الميت يندب بأحسن أفعاله و كانت محاسن أفعالهم ما ذكر و هي زيادة ذنب في ذنوبه يستحق العذاب عليها خامسها معنى التعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله به كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعا الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة وا عضداه وا ناصراه وا كاسياه جبذ الميت و قيل له أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسيها و رواه ابن ماجة بلفظ يتعتع به و يقال أنت كذلك و رواه الترمذي بلفظ ما من ميت يموت فتقوم نادبته فتقول وا جبلاه وا سنداه أو شبه ذلك من القول الا وكل به ملكان يلهذانه أهكذا كنت و شاهده ما روى المصنف في المغازي من حديث النعمان بن بشير قال أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تبكي و تقول وا جبلاه وا كذا وا كذا فقال حين أفاق ما قلت شيئا الا قيل لي أنت كذلك سادسها معنى التعذيب تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة و غيرها و هذا اختيار أبي جعفر الطبري من المتقدمين و رجحه ابن المرابط و عياض و من تبعه و نصره ابن تيمية و جماعة من المتأخرين و استشهدوا له بحديث قيلة بنت مخرمة و هي بفتح القاف و سكون التحتانية و أبوها بفتح الميم و سكون المعجمة ثقفية قلت يا رسول الله قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة ثم أصابته الحمى فمات و نزل على البكاء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفا وإذا مات استرجع فوالذي نفس محمد بيده أن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم و هذا طرف من حديث طويل حسن الإسناد أخرجه ابن أبي خيثمة و ابن أبي شيبة و الطبراني و غيرهم و أخرج أبو داود و الترمذي أطرافا منه قال الطبري و يؤيده ما قاله أبو هريرة أن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم ثم ساقه بإسناد صحيح إليه و شاهده حديث النعمان بن بشير مرفوعا أخرجه البخاري في تاريخه و صححه الحاكم قال ابن المرابط حديث قيلة نص في المسألة فلا يعدل عنه و اعترضه ابن رشيد بأنه ليس نصا و إنما هو محتمل فإن قوله فيستعبر إليه صويحبه ليس نصا في أن المراد به الميت بل يحتمل أن يراد به صاحبه الحي و أن الميت يعذب حينئذ ببكاء الجماعة عليه و يحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات فينزل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلا من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنعه و من كان ظالما فندب بافعاله الجائرة
(١٢٣)