ابن خديج فقال لأهله أن رافعا شيخ كبير لا طاقه له بالعذاب و أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه و يقابل قول هؤلاء قول من رد هذا الحديث و عارضه بقوله تعالى و لا تزر وازرة وزر أخرى و ممن روى عنه الإنكار مطلقا أبو هريرة كما رواه أبو يعلى من طريق بكر بن عبد الله المزني قال قال أبو هريرة و الله لئن انطلق رجل مجاهد في سبيل الله فاستشهد فعمدت امرأته سفها و جهلا فبكت عليه ليعذبن هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة و إلى هذا جنح جماعة من الشافعية منهم أبو حامد و غيره و منهم من أول قوله ببكاء أهله عليه على أن الباء للحال أي أن مبدأ عذاب الميت يقع عند بكاء أهله عليه و ذلك أن شدة بكائهم غالبا إنما تقع عند دفنه و في تلك الحالة يسأل و يبتدأ به عذاب القبر فكأن معنى الحديث أن الميت يعذب حالة بكاء أهله عليه و لا يلزم من ذلك أن يكون بكاؤهم سببا لتعذيبه حكاه الخطابي و لا يخفى ما فيه من التكلف و لعل قائله إنما أخذه من قول عائشة إنما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه ليعذب بمعصيته أو بذنبه و أن أهله ليبكون عليه الآن أخرجه مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها و على هذا يكون خاصا ببعض الموتى و منهم من أوله على أن الراوي سمع بعض الحديث و لم يسمع بعضه و أن اللام في الميت لمعهود معين كما جزم به القاضي أبو بكر الباقلاني و غيره و حجتهم ما سيأتي في رواية عمرة عن عائشة في رابع أحاديث الباب و قد رواه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري و زاد في أوله ذكر لعائشة أن ابن عمر يقول أن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما أنه لم يكذب و لكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه و سلم على يهودية فذكرت الحديث و منهم من أوله على أن ذلك مختص بالكافر و أن المؤمن لا يعذب بذنب غيره أصلا و هو بين من رواية ابن عباس عن عائشة و هو ثالث أحاديث الباب و هذه التأويلات عن عائشة متخالفة و فيه اشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر بل بما استشعرته من معارضة القرآن قال الداودي رواية ابن عباس عن عائشة بينت ما نفته عمرة و عروة عنها الا أنها خصته بالكافر لأنها أثبتت أن الميت يزداد عذابا ببكاء أهله فأي فرق بين أن يزداد بفعل غيره أو يعذب ابتداء و قال القرطبي إنكار عائشة ذلك و حكمها على الراوي بالتخطئة أو النسيان أو على أنه سمع بعضا و لم يسمع بعضا بعيد لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون و هم جازمون فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح و قد جمع كثير من أهل العلم بين حديثي عمر و عائشة بضروب من الجمع أولها طريقة البخاري كما تقدم توجيهها ثانيها و هو أخص من الذي قبله ما إذا أوصى أهله بذلك و به قال المزني و إبراهيم الحربي و آخرون من الشافعية و غيرهم حتى قال أبو الليث السمرقندي أنه قول عامة أهل العلم و كذا نقله النووي عن الجمهور قالوا و كان معروفا للقدماء حتى قال طرفة بن العبد إذا مت فانعيني بما أنا أهله * و شقي على الجيب يا ابنة معبد و اعترض بأن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدور الوصية و الحديث دال على أنه إنما يقع عند وقوع الامتثال و الجواب أنه ليس في السياق حصر فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلا ثالثها يقع ذلك أيضا لمن أهمل نهي أهله عن ذلك و هو قول داود و طائفة و لا يخفى أن محله ما إذا لم يتحقق أنه ليست لهم بذلك عادة و لا ظن أنهم يفعلون ذلك قال ابن المرابط إذا علم المرء بما جاء في النهي عن النوح و عرف أن أهله من شأنهم يفعلون ذلك و لم يعلمهم
(١٢٢)