الجمع من تخصيص بعض العمومات و تقييد بعض المطلقات فالحديث و إن كان دالا على تعذيب كل ميت بكل بكاء لكن دلت أدلة أخرى على تخصيص ذلك ببعض البكاء كما سيأتي توجيهه و تقييد ذلك بمن كانت تلك سنته أو أهمل النهي عن ذلك فالمعنى على هذا أن الذي يعذب ببعض بكاء أهله من كان راضيا بذلك بأن تكون تلك طريقته الخ و لذلك قال المصنف فإذا لم يكن من سنته أي كمن كان لا شعور عنده بأنهم يفعلون شيئا من ذلك أو أدى ما عليه بان نهاهم فهذا لا مؤاخذة عليه بفعل غيره و من ثم قال ابن المبارك إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئا من ذلك بعد وفاته لم يكن عليه شئ (قوله فهو كما قالت عائشة) أي كما استدلت عائشة بقوله تعالى و لا تزروا زرة وزر أخرى أي و لا تحمل حاملة ذنبا ذنب أخرى عنها و هذا حمل منه لانكار عائشة على أنها أنكرت عموم التعذيب لكل ميت بكى عليه و أما قوله و هو كقوله و أن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ فوقع في رواية أبي ذر وحده و أن تدع مثقلة ذنوبا إلى حملها و ليست ذنوبا في التلاوة و إنما هو في تفسير مجاهد فنقله المصنف عنه و موقع التشبيه في قوله أن الجملة الأولى دلت على أن النفس المذنبة لا يؤاخذ غيرها بذنبها فكذلك الثانية دلت على أن النفس المذنبة لا يحمل عنها غيرها شيئا من ذنوبها و لو طلبت ذلك ودعت إليه و محل ذلك كله إنما هو في حق من لم يكن له في شئ من ذلك تسبب و إلا فهو يشاركه كما في قوله تعالى و ليحملن أثقالهم و أثقالا مع أثقالهم و قوله صلى الله عليه و سلم فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين (قوله و ما يرخص من البكاء في غير نوح) هذا معطوف على أول الترجمة و كأنه أشار بذلك إلى حديث عامر بن سعد عن أبي مسعود الأنصاري و قرظه بن كعب قالا رخص لنا في البكاء عند المصيبة في غير نوح أخرجه ابن أبي شيبة و الطبراني و صححه الحاكم لكن ليس إسناده على شرط البخاري فاكتفى بالإشارة إليه و استغنى عنه بأحاديث الباب الدالة على مقتضاه (قوله و قال النبي صلى الله عليه و سلم لا تقتل نفسا ظلما الحديث) هو طرف من حديث لابن مسعود وصله المصنف في الديات و غيرها و وجه الاستدلال به أن القاتل المذكور يشارك من صنع صنيعه لكونه فتح له الباب و نهج له الطريق فكذلك من كانت طريقته النوح على الميت يكون قد نهج لأهله تلك الطريقة فيؤاخذ على فعله الأول و حاصل ما بحثه المصنف في هذه الترجمة أن الشخص لا يعذب بفعل غيره الا إذا كان له فيه تسبب فمن أثبت تعذيب شخص بفعل غيره فمراده هذا و من نفاه فمراده ما إذا لم يكن له فيه تسبب أصلا و الله أعلم و قد اعترض بعضهم على استدلال البخاري بهذا الحديث لأن ظاهره أن الوزر يختص بالبادئ دون من أتى بعده فعلى هذا يختص التعذيب بأول من سن النوح على الموتى و الجواب أنه ليس في الحديث ما ينفى الإثم عن غير البادئ فيستدل على ذلك بدليل آخر و إنما أراد المصنف بهذا الحديث الرد على من يقول أن الإنسان لا يعذب الا بذنب باشره بقوله أو فعله فأراد أن يبين أنه قد يعذب بفعل غيره إذا كان له فيه تسبب و قد اختلف العلماء في مسألة تعذيب الميت بالبكاء عليه فمنهم من حمله على ظاهره و هو بين من قصة عمر مع صهيب كما سيأتي في ثالث أحاديث هذا الباب و يحتمل أن يكون عمر كان يرى أن المؤاخذة تقع على الميت إذا كان قادرا على النهي و لم يقع منه فلذلك بادر إلى نهي صهيب و كذلك نهى حفصة كما رواه مسلم من طريق نافع عن ابن عمر عنه و ممن أخذ بظاهره أيضا عبد الله بن عمر فروى عبد الرزاق من طريقه أنه شهد جنازة رافع
(١٢١)