والإمامة وأما قبلها فلا لزوال حكمها بالتوبة المسقطة للعقاب والذم ولم يبق وجه يقتضي التنفير لأنا نقول إنا لم نجعل المانع عن ذلك استحقاق العقاب والذم فقط بل ولزوم التنفير أيضا وذلك حاصل بعد التوبة ولهذا نجد ذلك من حال الواعظ الداعي إلى الله وقد عهد منه الإقدام على كبائر الذنوب وإن تاب عنها بخلاف من لم يعهد منه ذلك والضرورة فارقة بين الرجلين فيما يقتضي القبول والنفور و كثيرا ما نشاهد أن الناس يعيرون من عهد منه القبائح المتقدمة وإن حصلت منه التوبة والنزاهة ويجعلونها نقصا وعيبا وقدحا غاية ما في الباب أن الكبائر بعد التوبة أقل تنفيرا منها قبل التوبة ولا يخرج بذلك عن كونها منفرة إن قلت فلم قلتم إن الصغائر لا تجوز عليهم مطلقا ولا تنفير فيها قلت بل التنفير حاصل فيها أيضا عند التأمل لأن اطمينان النفس وسكونها إنما هو مع الأمن عن ذلك لا مع تجويزها والفرق بأن الصغاير لا توجب عقابا وذما ساقط لأن المعتبر التنفير كما ذكرنا مرارا ألا ترى أن كثيرا من المباحات منفرة ولا ذم ولا عقاب فيها وكيف لا يكون ذلك موجبا للتنفير مع أن الخصم حكم على بعض الاجتهادات البعيدة من الشاهدة بكونه منفرا للعوام مع تصريحهم بأن المجتهد المخطئ مثاب قال أبو المعالي الجويني في رسالته المعمولة في بيان حقية مذهب الشافعي قد اتفق للشافعي أصل مقطوع ببطلانه على وجه أجمعت الأمة شارقة وغاربة أرضا فارضا طولا وعرضا على بطلان ذلك الأصل وهو أنه لم يجوز نسخ السنة بالكتاب ولم يجوز نسخ الكتاب بالسنة وهذا من امحل المحالات والعامي إذا سمع هذا يستنفر طبعه وينزوي عن تقليده والاقتداء به الجواب قلنا هذا الأصل غير مقطوع ببطلانه فإنه إنما لم يجوز نسخ السنة المتواترة بالكتاب
(٥٣)