والإمام الذي يمكن الرجوع إليه في تحقيق الأحكام والكشف عن مسائل الحلال والحرام فإن قيل عمدة ما ذكرتم معشر الإمامية في عصمة الأنبياء والأئمة أن تجويز الكبائر يقدح فيما هو الغرض من بعثة الأنبياء ونصب الإمام أعني قبول أقوالهم و امتثال أوامرهم ونواهيهم فبينوا لنا وجه القدح إذ قد طال الكلام في هذه المسألة بين الفريقين قلت لا شك أن من يجوز عليه الكبائر والمعاصي فإن النفس لا تسكن ولا تطمئن إلى قبول قوله مثل ما تطمئن إلى قول من لا يجوز عليه شئ من ذلك جزما قال الشريف المرتضى رضي الله عنه هذا معنى قولنا أن وقوع الكبائر والمعاصي منفر عن القبول والامتثال والمرجع فيهما إلى العادات وليس ذلك مما يستخرج بالدليل ومن رجع إلى العادة علم صدق ما ذكرناه فإن الكبائر في باب التنفير لا تنحط عن المهاجاة التي تدل على خسة صاحبها وعن المجون والسخافة ولا خلاف في أنها ممتنعة منهم فإن قيل أوليس قد جوز كثير من الناس الكبائر على الأنبياء والأئمة ومع ذلك لم ينفروا عن قبول أقوالهم وامتثال أوامرهم وهذا يناقض قولكم إن الكبائر منفرة قلنا هذا كلام من لم يعرف معنى التنفير إذ لم نرد به ارتفاع التصديق والامتثال رأسا بل ما ذكرناه من عدم سكون النفس وحصول الاطمينان ولا يشك عاقل في أن النفس حال عدم تجويز الكبائر أقرب منها إلى ذلك عند تجويزها وقد يبعد الأمر عند الشئ ولا يرتفع كما يقرب من الشئ ولا يقع عنده ألا ترى أن عبوس الداعي إلى طعامه وتضجره منفر في العادة عن حضور دعوته وتناول طعامه وقد يقع مع ما ذكرناه الحضور والتناول ولا يخرجه من أن يكون منفرا وكذلك طلاقة وجهه واستبشاره وتبسمه يقرب من الحضور والتناول وقد يرتفع عنده ذلك لا يقال هذا يقتضي أن لا يقع الكبائر عنهم حال النبوة
(٥٢)