وصح أن في حال المماكسة كان ذلك أيضا في نفسه عليه السلام لأنه عليه السلام أخبره أنه لم يماكسه ليأخذ جمله فصح أن البيع لم يتم فيه قط فإنما اشترط جابر ركوب جمل نفسه فقط وهذا هو مقتضى لفظ الاخبار إذا جمعت ألفاظها، فإذ قد صح أن ذلك البيع لم يتم ولم يوجد في شئ من ألفاظ ذلك الخبر أصلا أن البيع تم بذلك الشرط فقد بطل أن يكون في هذا الخبر حجة في جواز بيع الدابة واستثناء ركوبها أصلا وبالله تعالى التوفيق * فأما الحنيفيون. والشافعيون فلا يقولون بجواز هذا الشرط أصلا فإنما الكلام بيننا وبين المالكيين فيه فقط، وليس في هذا الخبر تحديد يوم ولا مسافة قليلة من كثيرة ومن ادعى ذلك فقد كذب، فمن أين خرج لهم تحديد مقدار دون مقدار؟ ويلزمهم إذ لم يجيزوا بيع الدابة على شرط ركوبها شهرا ولا عشرة أيام، وأبطلوا هذا الشرط وأجازوا بيعها واشتراط ركوبها مسافة يسيرة أن يحدوا المقدار الذي يحرم به ما حرموه من ذلك المقدار الذي حللوه هذا فرض عليهم والا فقد تركوا من اتبعهم في سخنة عينه وفى ما لا يدرى لعله يأتي حراما (1) أو يمنع حلالا، وهذا ضلال مبين، فان حدوا في ذلك مقدارا ما سئلوا عن البرهان في ذلك إن كانوا صادقين؟ فلاح فساد هذا القول بيقين لا شك فيه، ومن الباطل المتيقن أن يحرم الله تعالى علينا ما لا يفصله لنا من أوله لآخره لنجتنبه ونأتي ما سواه إذا كان تعالى يكلفنا ما ليس في وسعنا من أن نعلم الغيب وقد أمننا الله تعالى من ذلك (فان قالوا): ان في بعض ألفاظ الخبر أن ذلك كان حين دنوا من المدينة قلنا: الدنو يختلف ولا يكون الا بالإضافة فمن أتى من تبوك فكان من المدينة على ست مراحل أو خمس فقد دنا منها، ويكون الدنو أيضا على ربع ميل وأقل أو أكثر فالسؤال باق عليكم بحسبه، وأيضا فان هذه اللفظة إنما هي في رواية سالم بن أبي الجعد وهو إنما روى أن ركوب جابر كان تطوعا من النبي صلى الله عليه وسلم وشرطا، وفى رواية المغيرة عن الشعبي عن جابر دليل على أن ذلك كان في مسيرهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزاة، وأيضا فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم منع من ذلك الشرط إلا في مثل تلك المسافة فإذ لم يقيسوا على تلك المسافة سائر المسافات فلا تقيسوا على تلك الطريق سائر الطرق (2) ولا تقيسوا على اشتراط ذلك في ركوب جمل سائر الدواب والا فأنتم متناقضون متحكمون بالباطل، وإذ قستم على تلك الطريق سائر الطرق. وعلى الجمل سائر الدواب فقيسوا على تلك المسافة سائر المسافات كما فعلتم في صلاته عليه السلام راكبا متوجها إلى خيبر إلى غير القبلة فقستم على تلك المسافة سائر المسافات فلاح أنهم لا متعلق لهم في هذا الخبر أصلا وبالله تعالى التوفيق *
(٤١٩)