وأما آداب القضاة فللقاضي أن يجلس مع نفسه قوما من الفقهاء ليشاور معهم إذا احتاج إليه. فإن اتفقوا عليه، والحادثة معروفة في السلف، يقضي به.
وإن اختلفوا فعلى ما ذكرنا.
فإن بدا له أن يرجع فيما اعتمد على قول بعضهم، ورأي الصواب في قول الآخر فله ذلك، لان له أن يقضي في المجتهد فيه، بما لاح له من دليل الاجتهاد إن كان مجتهدا.
فأما بعد الحكم فليس له أن يبطل ذلك القضاء، لان صار بالقضاء كالمتفق عليه، ولكن يعمل في المستقبل بخلافه إذا رأى ذلك صوابا.
وينبغي أن يعدل بين الخصمين في مجلسهما منه: لا يقرب أحدهما دون الآخر، وإن كان له شرف العلم والنسب. وإن كان يريد تعظيم ذلك في المجلس، ينبغي أن يجلس خصمه معه، أينما أجلس الأول.
وكذلك يعدل بينهما النظر والمنطق ولا يشير إلى أحد الخصمين دون الآخر.
وكذلك لا يخلو بأحدهما، دفعا للتهمة.
ولا يرفع صوته على أحدهما ما لم يرفع على الآخر، عند الشغب والمنازعة. فأما إذا وجد من أحدهما، فإنه يرفع صوته عليه تأديبا له.
ولا ينبغي أن يلقن أحد الخصمين حجته. ولا بأس بأن يلقن الشاهد، إذا كان يستحي ويهاب مجلس القاضي بشئ هو حق.
وإذا تكلم أحدهما أسكت الآخر، حتى يسمع كلامه ويفهم ثم يستنطق الآخر حتى يكون أقرب إلى الفهم.
ولا ينبغي أن يجلس للقضاء وبه ما يشغله عنه، نحو الهم،