هذا زال فسقه، وثبتت عدالته، وقبلت شهادته، ولا يراعى صلاح العمل.
ويجوز للحاكم عندنا أن يقول لإنسان: تب أقبل شهادتك، وأنما قلنا ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وآله أمر بالتوبة، وكذلك الله تعالى. هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه (1) ولا أرى بذلك بأسا.
ولا يجوز للشاهد، أن يشهد، حتى يكون عالما بما يشهد به، حين التحمل، وحين الأداء، لقوله تعالى: " ولا تقف ما ليس لك به علم " (2) وقال تعالى: " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " (3) ولما قدمناه من رواية ابن عباس، عن الرسول عليه السلام قال: سئل عن الشهادة، فقال للسائل: هل ترى الشمس؟ قال:
نعم، قال: على مثلها فاشهد، أو دع.
ولا يجوز للحاكم أن يقبل إلا شهادة العدل، فأما من ليس بعدل فلا يقبل شهادته، لقوله تعالى: " وأشهدوا ذوي عدل منكم " (4) والعدالة في اللغة أن يكون الإنسان متعادل الأحوال، متساويا. وأما في الشريعة، فهو كل من كان عدلا في دينه، عدلا في مروته، عدلا في أحكامه، فالعدل في الدين، أن لا يخل بواجب، ولا يرتكب قبيحا، وقيل لا يعرف بشئ من أسباب الفسق، وهذا قريب أيضا، وفي المروة أن يكون مجتنبا للأمور التي تسقط المروة، مثل الأكل في الطرقات، ولبس ثياب المصبغات للنساء، وما أشبه ذلك. والعدل في الأحكام أن يكون بالغا عاقلا.
وقال شيخنا في مبسوطه: فأما إن كان مجتنبا للكبائر، مواقعا للصغائر، فإنه يعتبر الأغلب من حاله، فإن كان الأغلب من حاله مجانبة المعاصي، وكان يواقع ذلك نادرا، قبلت شهادته، وإن كان الأغلب مواقعته للمعاصي، واجتنابه لذلك نادرا، لم تقبل شهادته، وقال رحمه الله: وإنما اعتبرنا الأغلب في الصغائر، لأنا لو قلنا أنه لا تقبل شهادة من واقع اليسير من الصغائر أدى ذلك إلى أن لا تقبل