لذلك، بل أفتوا، وصنفوا، ووضعوا في كتبهم، أنه إذا اختلف الجنس، فلا بأس بيع الواحد بالاثنين، من المكيل والموزون، على العموم والإطلاق، من سائر المكيلات والموزونات، ولم يستثنوا من ذلك إلا الدنانير والدراهم، في بيع النسيئة فحسب، مثل شيخنا ابن بابويه في كتاب من لا يحضره فقيه (1)، فإن هذا مذهبه ومقالته في مقنعه (2) وسائر كتبه، وكذلك السيد المرتضى، وعلي بن بابويه، وغير هؤلاء من المشيخة الفقهاء. وأبو علي بن الجنيد، من كبار فقهاء أصحابنا، ذكر المسألة وحققها، وأوضحها في كتابه الأحمدي للفقه المحمدي، فإنه قال: لا بأس بالتفاضل بين الحنطة والشعير، لأنهما جنسان مختلفان (3).
وكذلك ابن أبي عقيل، من كبار مصنفي أصحابنا، ذكر في كتابه، فقال:
وإن اختلف الجنسان، فلا بأس ببيع الواحد بأكثر منه، وقد قيل: لا يجوز الحنطة بالشعير، إلا مثلا بمثل سواء، لأنهما من جنس واحد، بذلك جاءت بعض الأخبار، والقول والعمل على الأول، هذا آخر كلامه (4).
وأيضا قوله تعالى: " وأحل الله البيع وحرم الربوا " يعضد ذلك، ويشيده، وأيضا قوله عليه السلام المجمع عليه: إذا اختلف الجنس فبيعوا كيف شئتم، وقد اختلف الجنس في الحنطة والشعير، صورة وشكلا، ولونا وطعما، ونطقا وإدراكا وحسا، فإذا كان لا إجماع على المسألة، ولا كتاب الله تعالى، ولا سنة متواترة، بل الكتاب المنزل على الرسول عليه السلام يخالفها، والإجماع من الفرقة المحقة يضادها، ودليل العقل يأباها، فما بقي إلا تقليد الواضع لها في كتابه، ولا خلاف أنه لا يجوز تقليد ما يوجد في سواد الكتب (5) إذا لم تقم على صحته الأدلة