رسول الله ص إلى الأكثرية إلا والأمر أكثر بلا شك وإنما قلنا في القرآن إنه بواسطة لقوله تعالى نزل به الروح الأمين على قلبك وقوله قل نزله روح القدس من ربك وقوله ولا تعجل بالقرآن من قبل إن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما بما يكون من الله إليه برفع الواسطة وهو الحديث الذي لا يسمى قرآنا فلا ينبغي لواعظ أن يخرج في وعظه عن الكتاب أو السنة ولا يدخل في هذه الطوام فينقل عن اليهود والنصارى والمفسرين الذين ينقلون في كتب تفاسيرهم ما لا يليق بجناب الله ولا بمنزلة رسل الله ع كما روينا عن منصور بن عمار أنه رآه إنسان بعد موته وكان من الواعظين فقال له يا منصور ما لقيت فقال أوقفني الحق بين يديه وقال إلي يا منصور بم تقربت إلي فقلت له كنت أعظ الناس وأذكرهم فقال يا منصور بشعر زينب وسعاد تطلب القرب مني وتعظ عبادي وذكر لي أشعارا كنت أنشد بها على المنبر مما قاله أهل المحبة في محبوباتهم فشدد علي ثم قال إن بعض أوليائي حصر مجلسك فقلت في ذلك المجلس اللهم اغفر لأقسانا قلبا وأجمدنا عينا فقال ذلك الولي الذي حضر عندك اللهم اغفر لمن هذه صفته فاطلعت فلم أر أجمد عينا ولا أقسي قلبا منك فاستجبت فيك دعاء وليي فغفرت لك فلا ينبغي أن ينشد واعظ في مجلسه إلا الشعر الذي قصد فيه قائله ذكر الله بلسان التغزل أو بغيره فإنه من الكلام الذي يقوله أهل الله فهو حلال قولا وسماعا فإنه مما ذكر اسم الله عليه ولا ينبغي أن ينشد في حق الله شعرا قصد به قائله في أول وضعه غير الله نسيبا كان أو مديحا فإنه بمنزلة من يتوضأ بالنجاسة قربة إلى الله فإن القول في المحدث حدث بلا شك وقد نبه الله في كتابه على هذه المنزلة بقوله وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقوله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله وإنه لفسق وقال حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والشعر في غير الله مما أهل لغير الله به فإنه للنية أثر في الأشياء والله يقول وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين والإخلاص النية وهذا الشارع ما نوى في شعره إلا التغزل في محبوبه والمديح فيمن ليس له بأهل لما شهد به فيه ولقد كتب إلي شخص من إخواني بكتاب يعظمني فيه بحيث أن لقبني فيه بثلاثة وستين لقبا فكتب له ستكتب شهادتهم ويسألون وذكرت له مع هذا في جواب كتابه إن رسول الله ص قال لا أزكي على الله أحدا ولكن يقول أحسبه كذا وأظنه كذا ويقول الله تعالى فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى فلو نوى جانب الحق هذا القائل ابتداء في أي صورة شاء ربما كان ذلك القول قربة إلى الله فإن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فإن الله مطلع على ما في نفس الإنسان ولله يوم تبلي فيه السرائر وكل ما كان قربة إلى الله شرعا فهو مما ذكر اسم الله عليه وأهل به لله وإن كان بلفظ التغزل وذكر الأماكن والبساتين والجوار وكان القصد بهذا كله ما يناسبها من الاعتبار في المعارف الإلهية والعلوم الربانية فلا بأس وإن أنكر ذلك المنكر فإن لنا أصلا نرجع إليه فيه وهو أن الله تعالى يتجلى يوم القيامة لعباده في صورة ينكر فيها حتى يتعوذوا منها فيقولون نعوذ بالله منك لست ربنا وهو يقول أنا ربكم وهو هو تعالى وهنا سر في تجليه فابحث عليه في معرفة العقائد واختلافها كذلك هذه الألفاظ وإن كان صورة المسمى فيها في الظاهر غير الله وهو خلاف ما نواه القائل فإن الله ما يعامله إلا بما نواه في ذلك وتدل عليه أحوال القائل كما قيل ينظر إلى القول وقائله يريدون وحال قاتله ما هو فإن كان وليا فهو الولاء وإن خشن وإن كان عدوا فهو البذاء وإن حسن كما نذكر نحن في أشعارنا فإنها كلها معارف إلهية في صور مختلفة من تشبيب ومديح وأسماء نساء وصفاتهن وأنهار وأماكن ونجوم وقد شرحنا من ذلك نظما لنا بمكة سميناه ترجمان الأشواق وشرحناه في كتاب سميناه الذخائر والأغلاق فإن بعض فقهاء حلب اعترض علينا في كوننا ذكرنا أن جميع ما نظمناه في هذا الترجمان إنما المراد به معارف إلهية وأمثالها فقال إنما فعل ذلك لكونه منسوبا إلى الدين فما أراد أن ينسب إليه مثل هذا الغزل والنسيب فجزاه الله خيرا لهذه المقالة فإنها حرمت دواعينا إلى هذا الشرح فانتفع به الناس فأبدينا له ولأمثاله صدق ما نويناه وما ادعيناه فلما وقف على شرحه تاب إلى الله من ذلك ورجع ولو رأينا رجلا ينظر إلى وجه امرأة وهو خاطب لها ونحن لا نعرف أنه خاطب وكنا منصفين في الأمر لم نقدم على الإنكار عليه إذا جهلنا حاله حتى نسأله ما دعاه إلى ذلك فإن قال أو قيل لنا إنه خاطب لها أو هو طبيب وبها مرض يستدعي ذلك المرض نظر الطبيب
(٥٦٢)