إلى وجهها علمنا أنه ما نظر إلا إلى ما يجوز له النظر إليه فيه بل نظره عبادة لو ورد الأمر من الرسول ص في ذلك ولا ينكر عليه ابتداء مع هذا الاحتمال فليس الإنكار عليه من المنكر بأولى من الإنكار على المنكر في ذلك مع إمكان وجود هذه الاحتمالات إذ لا تصح المنكرات إلا بما لا يتطرق إليها احتمال وهذا يغلط فيه كثير من المتدينين لا من أصحاب الدين فإن أصحاب الدين المتين أول ما يحتاط على نفسه ولا سيما في الإنكار خاصة فإن للمغير شروطا في التغيير فإن الله ندبنا إلى حسن الظن بالناس لا إلى سوء الظن بهم فلا ينكر صاحب الدين مع الظن وقد سمع أن بعض الظن إثم فلعل هذا من ذلك البعض وإثمه أن ينطق به وإن وافق العلم في نفس الأمر فإن الله يؤاخذه بكونه ظن وما علم فنطق فيه بأمر محتمل ولم يكن له ذلك وسوء الظن بنفس الإنسان أولى من سوء ظنه بالغير لأنه من نفسه على بصيرة وليس هو من غيره على بصيرة فلا يقال فيه في حق نفسه إنه سيئ الظن بنفسه لأنه عالم بنفسه وإنما قلنا فيه إنه يسئ الظن بنفسه اتباعا لسوء ظنه بغيره فهو من تناسب الكلام وله وجه في الحقائق الشرعية فإنه بالنظر إلى نفسه ليس هو في فعله ما ينكره على نفسه على الحقيقة عالما بأنه في فعله ذلك على منكر يعلمه بل هو على ظن فسوء الظن بنفسه أولى وذلك أن لله عبادا قد قال لهم الله افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم فما فعلوا إلا ما أباح الشرع لهم فعله وإن لم يعلموا أنهم ممن خوطبوا بذلك وهو في الحديث الصحيح فما فعل إلا ما هو مباح عند الله وهو لا علم له بذلك فهو عند الله بهذه المثابة فلهذا قلنا سوء الظن بنفسه إذ لم يكن فيها على بصيرة على الحقيقة مع هذا الاحتمال من جانب الحق وقد جعل الله لمن هذه صفته علامة يعرف بها نفسه أنه من أولئك القوم ولا يشك بالعلم الشرعي الصحيح أن حرمة نفس الإنسان عليه عند الله أعظم من حرمة غيره بما لا يتقارب وإنه من قتل نفسه أعظم في الجرم ممن قتل غيره وأن صدقته على نفسه أعظم في الأجر من صدقته على غيره فالعالم الصالح من استبرأ لدينه في كل أحواله في حق نفسه وفي حق غيره وإلى الآن ما رأيت أحدا من أهل الانتماء إلى الدين وإلى العلم على هذا القدم فالحمد لله الذي وفقنا لاستعماله وحال بيننا وبين إهماله ولولا ما في ذكر هذا من المنفعة لعباد الله والنصيحة لهم ما بسطنا القول فيه هذا البسط وإن كان الفصل يقتضيه فإنه فصل الموعظة والله يقول لنبيه ص فيما أنزله عليه ادع إلى السبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة مثل هذه التي ذكرناها فإنها وصية منها إلى عباد الله جمعت بين الحكمة لأنا أنزلناها منزلتها وبين الحكم والحكيم من ينزل الأمر منزلته ولا يتعدى به مرتبته وأما الموعظة الحسنة فهي الموعظة التي تكون عند المذكر بها عن شهود فإن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فكيف بمن حقق أنه يراه فإن ذلك أعظم وأحسن وقد يكون قوله مثنى يريد به التعاون في القيام لله تعالى في ذلك الأمر وصورة التعاون فيه إن الشرع في نفس الأمر قد أنكر هذا الفعل ممن صدر عنه عليه فينبغي للعالم المؤمن أن يقوم مع المشرع في ذلك فيعينه فيكون اثنان هو والشرع وفرادي أن يكون هذا المنكر لا يعلم أنه معين للشرع في إنكاره ووعظه فيقول قد انفردت بهذا الأمر وما هو إلا معين للشرع وللملك الذي يقول بلمته للفاعل لا تفعل إذ يقول له الشيطان بلمته افعل فيكون مع الملك مثنى فإن الملك مكلف بأن ينهى العبد الذي قد ألزمه الله به أن ينهاه فيما كلفه الله به أن ينهاه عنه فيساعده الإنسان على ذلك فيكون ممن قام لله في ذلك مثنى وقد يكون معينا للشارع وهو الرسول ع فهو الذي أنكر أولا هذا الفعل على فاعله وتقدم في الوعظ في ذلك فيكون هذا الإنسان الواعظ مع وعظ الرسول المتقدم مثنى كما سأل بعض الناس رسول الله ص أن يجعله رفيقه في الجنة فقال له رسول الله ص أعني على نفسك بكثرة السجود فطلب منه العون فقد قاما في ذلك مثنى هو ورسول الله ص قال تعالى وتعاونوا على البر والتقوى وقال استعينوا بالله فشرك نفسه مع عبده في الفعل وما لا يفعله الله إلا بالأدلة فهو من هذا الباب ولا يعلم ذلك إلا العالم بأسرار الله وما هي الحقائق عليه فلا تغفل عن هذا النفس وكن المعين لمن ذكرت لك تحمد عاقبتك ويحصل لك سهم في الإعانة مع المعين يقول العبد وإياك نستعين فيقول الحق هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فتبين قوله تعالى هذه بيني وبين عبدي فهي لله وله في حكم الإعانة إذا أراد الله وجود الصلاة فلا بد من استعداد المحل الذي به ظهور الصلاة فافهم
(٥٦٣)