وبالجملة: إما يقع الثاني لغوا على كل تقدير أو يقع صحيحا على كل تقدير، لأنه في أخذهما آلة، ليس المنذور إلا ما أخذه آلة بما له من المعنى الموضوع له، فلا تخلط.
وهنا مبنى آخر في النذر، وعليه يبتني صحة النذر عقيب النذر:
وهو أن مفاد صيغة النذر إن كان يستتبع جهة وضعية، فلا يعقل تكرار تلك الجهة.
مثلا: إذا كان مفاد نذر الصوم، أن الله تعالى يملك على العبد صومه ومنفعته الصومية، فلا معنى لمالكيته تعالى ثانيا في اليوم الواحد، بخلاف ما إذا لم يكن يستتبع تلك الملكية وجهة وضعية، فإنه لا منع من انعقاده ثانيا، لتمكنه من امتثال النذر الثاني بالقصد إلى وفائه، لأن التكليف الأول لا يوجب عجزه تكوينا عن امتثال التكليف الثاني.
وهكذا إن قلنا: بأن في مثل نذر إعطاء الدراهم الخاصة للفقير، أنه لا يملك ثانيا ما ملكه بالنذر الأول.
وغير خفي: أن هذا المبنى من الأباطيل في باب النذر، بل النذر لا يستتبع - حسب القواعد - مالكيته تعالى، وإلا يلزم في المثال الأخير كونه تعالى مالكا، وهكذا الفقير، ويكون مملوك الله تعالى إعطاء الدراهم، ومملوك الفقير الدراهم، وهذا مما لا يناسب أن يتفوه به الفقيه.
والذي هو الأقرب عدم انعقاد النذر الثاني مطلقا، لأن تعدد النذر يستلزم تعدد الأمر النذري، وتعدد الأمر النذري لا يعقل إلا بتعدد المأمور به، ولا يتعدد المأمور به إلا بعد التقييد بقيود مختلفة، وإذا كانت الأوامر متعددة، فلا بد من امتثال كل على حسب اقتضائه، والمكلف لا يكون حينئذ