خالقك، وتوكل عليه في جميع ما يظهر من حركاتك وسكناتك، وسلم لقضائه وحكمه وقدره، وودع الدنيا والراحة والخلق، وأخرج من حقوق يلزمك من جهة المخلوقين، ولا تعتمد على زادك وراحلتك وأصحابك وقوتك وشبابك ومالك، مخافة أن يصير ذلك عدوا ووبالا، فإن من ادعى رضا الله، واعتمد على شئ ما سواه، صيره عليه عدوا ووبالا، ليعلم أنه ليس له قوة ولا حيلة ولا لأحد إلا بعصمة الله تعالى وتوفيقه، واستعد استعداد من لا يرجو الرجوع، وأحسن الصحبة، وراع أوقات فرائض الله تعالى وسنن نبيه (ص)، وما يجب عليك من الأدب، والاحتمال، والصبر، والشكر، والشفقة، والسخاوة، وإيثار الزاد على دوام الأوقات، ثم أغسل بماء التوبة الخالصة ذنوبك، والبس كسوة الصدق والصفاء والخضوع والخشوع، وأحرم من كل شئ يمنعك عن ذكر الله عز وجل ويحجبك عن طاعته، ولب بمعنى إجابة صافية خالصة زاكية لله عز وجل في دعوتك له، متمسكا بالعروة الوثقى، وطف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت. وهرول هرولة فرا من هواك، وتبرأ من جميع حولك وقوتك، واخرج من غفلتك وزلاتك بخروجك إلى منى، ولا تتمن ما لا يحل لك ولا تستحقه، واعترف بالخطأ بالعرفات، وجدد عهدك عند الله تعالى بوحدانيته، وتقرب إليه، واتقه بمزدلفة، واصعد بروحك إلى الملأ الأعلى بصعودك على الجبل، واذبح حنجرة الهوى والطمع عند الذبيحة، وارم الشهوات والخساسة والدناءة والأفعال الذميمة عند رمي الجمرات، وأحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق شعرك، وأدخل في أمان الله وكنفه وستره وكلاءته من متابعة مرادك بدخول الحرم، وزر البيت متحققا لتعظيم صاحبه ومعرفته وجلاله، واستلم الحجر رضى بقسمته وخضوعا لعظمته، وودع ما سواه بطواف الوداع، وصف روحك وسرك للقاء الله تعالى يوم تلقاه بوقوفك على الصفا، وكن ذا مرة من الله بفناء أوصافك عند المروة، واستقم على شروط حجتك، ووفاء عهدك الذي عاهدت ربك، وأوجبت له إلى يوم القيامة، وأعلم بأن الله لم يفترض الحج، ولم يخصه من جميع الطاعات بالإضافة إلى نفسه بقوله تعالى:
(٣١٧)