خطير أمره: أعني زيارة بيت الله الذي جعل مثابة للناس، فسفره هذا لا يضاهي أسفار الدنيا. فليحضر في قلبه ماذا يريد، وأين يتوجه، وزيارة من يقصد، وإنه متوجه إلى زيارة ملك الملوك في زمرة الزائرين إليه، الذين نودوا فأجابوا، وشوقوا فاشتاقوا، ودعوا فقطعوا العلائق. وفارقوا الخلائق، وأقبلوا على بيت الله الرفيع قدره والعظيم شأنه، تسليا بلقاء البيت عن لقاء صاحبه، إلى أن يرزقوا منتهى مناهم، ويسعدوا بالنظر إلى مولاهم، فليحضر في قلبه عظم السفر، وعظمة البيت، وجلالة رب البيت، ويخرج معظما لها، ناويا إن لم يصل وأدركته المنية في الطريق لقي الله وافدا إليه بمقتضى وعده.
الرابع - أن يخلي نفسه عن كل ما يشغل القلب، ويفرق الهم في الطريق، أو المقصود، من معاملة أو مثلها، حتى يكون الهم مجردا لله، والقلب مطمئنا منصرفا إلى ذكر الله وتعظيم شعائره، متذكرا عند كل حركة وسكون أمرا أخرويا يناسبه.
الخامس - أن يكون زاده حلالا، ويوسع فيه ويطيبه، ولا يغتم ببذله وإنفاقه، بل كان طيب النفس به، إذ أنفاق المال في طريق الحج نفقة في سبيل الله، والدرهم منه بسبعمائة درهم، قال رسول الله (ص):
(من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفر). وكان السجاد (ع) إذا سافر إلى الحج، يتزود من أطيب الزاد، من اللوز والسكر والسويق المحمض والمحلى. وقال الصادق (ع): (إذا سافرتم، فاتخذوا سفرة وتنوقوا فيها). وفي رواية: (إنه يكره ذلك في زيارة الحسين (ع).
نعم ينبغي أن يكون الإنفاق على الاقتصاد من دون تقتير ولا إسراف، والمراد بالإسراف التنعم بأطائب الأطعمة، والترفة بصرف أنواعها على ما هو عادة المترفين، وأما كثرة البذل على المستحقين، فلا إسراف فيه، إذ لا خير في السرف، ولا سرف في الخير. وينبغي - أيضا - أن يكون له طيب النفس فيما أصابه من خسران ومصيبة في مال وبدن، لأن ذلك من دلائل قبول حجه، فإن ذهاب المال في طريق الحج يعد الدرهم منه سبعمائة في سبيل الله، فالمصيبة في طريق الحج بمثابة الشدائد في طريق الجهاد، فله بكل