به على فاقده من إخوانه المؤمنين، ويرعى حقوق الله في ماله بالإنفاق، وفي بدنه ببذل المعونة للخلق، وفي منصبه بإعانة المظلومين، وكذلك في سائر ما أنعم الله به.
والسر في كون الصبر عليها أشد من الصبر على البلاء: أنه ليس مجبورا على ترك ملاذ الدنيا، بل له القدرة والتمكن على التمتع بها، بخلاف البلاء، فإنه مجبور عليه، ولا يقدر على دفعه، فالصبر عليه أسهل.
ولذا ترى أن الجائع إذا لم يقدر على الطعام أقدر على الصبر منه إذا قدر عليه.
وأما ما لا يوافق هواه وطبعه، فله ثلاثة أقسام:
الأول - ما يكون مقدورا للعبد، كالطاعات والمعاصي. أما الطاعة، فالصبر عليها شديد، لأن النفس بطبعها تنفر عنها، وتشتهي التقهر والربوبية كما يأتي وجهه، ومع ذلك يثقل عليها بعض العبادات باعتبار الكسل، وبعضها باعتبار البخل، وبعضها باعتبارهما، كالحج والجهاد، فلا تخلو طاعة من اعتبار يشق على النفس أن تصبر عليه، ومع ذلك يحتاج المطيع فيها إلى الصبر في حالات ثلاثة تتضاعف لأجلها الصعوبة، إذ يحتاج إليها قبل العمل في تصحيح النية والاخلاص، وتطهيرها عن شوائب الرياء، وفي حالة العمل لئلا يغفل عن الله في أثنائه، ولا يخل بشئ من وظائفه وآدابه، ويستمر على ذلك إلى الفراغ وبعد الفراغ عنه، لئلا يتطرق إليه العجب، ولا يظهر رياء وسمعة. والنهي عن إبطال العمل وعن إبطال الصدقات بالمن والأذى أمر بهذا القسم من الصبر. وأما المعاصي، فلكون جميعها مما تشتهيها النفس. فصبرها عليها شديد، وعلى المألوفة المعتادة أشد، إذ العادة كالطبيعة الخامسة، ولذا ترى أن كل معصية شاعت وتكررت ثقل استنكارها، فإن الاستبعاد في مثل لبس الحرير أكثر من الاستبعاد في أطلاق اللسان طول النهار في أعراض الناس، مع أن الغيبة أشد من الزنا، كما نطقت به الأخبار. فإذا انضافت العادة إلى الشهوة، ظهر جندان من جنود الشيطان على جند الله، فيصعب تركها.
ثم المعصية أن كانت مما يسهل فعلها، كان الصبر عنها أشد، كمعاصي