تيسر الصبر ولم يكن له تعب ومشقة، كما قال الله سبحانه:
(فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى) 24 ومتى تيسر الصبر وصار ملكة راسخة أورث مقام الرضا، وإذا أدام مقام الرضا أورث مقام المحبة. وكما أن مقام المحبة أعلى من مقام الرضا، فكذلك مقام الرضا أعلى من مقام الصبر. ولذلك قال رسول الله (ص):
(أعبد الله على الرضا، فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير).
قال بعض العارفين: (أهل الصبر على ثلاث مقامات: الأول: ترك الشكوى، وهذه درجة التائبين. الثاني: الرضا بالمقدر، وهذه درجة الزاهدين. الثالث: المحبة لما يصنع به مولاه، وهذه درجة الصديقين).
وكأن هذا الانقسام مخصوص بالصبر على المكروه بالمصائب والمحن.
ثم باعث الصبر إما إظهار الثبات وطمأنينة القلب عند الناس، ليكون عندهم مريضا، كما نقل عن معاوية: أنه أظهر البشاشة، وترك الشكوى في مرض موته وقال:
وتجلدي للشامتين أريهم * أني لريب الدهر لا أتزعزع وهذا صبر العوام، وهم الذين يعملون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، أو توقع الثواب ونيل الدرجات الرفيعة في دار الآخرة، وهذا صبر الزهاد والمتقين، وإليه إشارة بقوله تعالى:
(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) 25 أو الالتذاذ والابتهاج بورود المكروه من الله سبحانه. إذ كل ما يريد من المحبوب محبوب، والمحب يشتاق إلى التفات محبوبه، ويرتاح به، وإن كان ما يؤذيه ابتلاء وامتحانا له، وهذا صبر العارفين، وإليه الإشارة بقوله تعالى:
(وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا أنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) 26