(وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى) 19 وضده الشره. والصبر عن فضول العيش، وهو الزهد، وضده الحرص. والصبر في كتمان السر، وضده الإذاعة، والأولان، كالصبر على المكروه من فضائل قوة الغضب. والرابع، من نتائج المحبة والخشية.
والبواقي، من فضائل قوة الشهوة كما يأتي. وفي ذلك: أن من عد الصبر مطلقا من فضائل القوة الشهوية أو القوة الغضبية إنما أراد به بعض أقسامه.
ويظهر من ذلك: أن أكثر أخلاق الإيمان داخل في الصبر. ولذلك لما سئل رسول الله (ص) عن الإيمان، قال: (هو الصبر، لأنه أكثر أعماله وأشرفها)، كما قال: (الحج عزم). وقد عرف مطلق الصبر بأنه مقاومة النفس مع الهوى، وبعبارة أخرى: إنه ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الهوى. والمراد بباعث الدين هو العقل النظري الهادي إلى طريق الخير والصلاح، والعقل العملي المنفذ لأحكامه المؤدية إلى الفوز والفلاح. والمراد بباعث الهوى هو قوة الشهوة الخارجة عن طاعة العقل، والقتال دائما بين الباعثين قائم، والحرب بينهما أبدا سجال (20)، وقلب العبد معركته، ومدد باعث الدين من الملائكة الناظرين لحزب الله، ومدد باعث الهوى من الشياطين الناصرين لأعداء الله، فإن ثبت باعث الدين بأمداد الملائكة حتى قهر باعث الهوى واستمر على مخالفته، غلب حزب الله والتحق بالصابرين، وإن تحاول وضعف حتى سلب باعث الهوى بأمداد الشياطين ولم يصبر على دفعه، التحق بأتباع الشياطين. وعمدة ما يثبت به باعث الدين هي قوة المعرفة، أي اليقين لكون الهوى عدوا قاطعا لطريق الوصول إلى الله مضادا لأسباب السعادات في الدنيا والآخرة. ثم باعث الدين إما يقهر داعي الهوى بالكلية، بحيث لا تبقى له قوة المنازعة، فيدوم الصبر، وتستقر النفس في مقام الاطمينان، وتنادي من وراء سرادقات الجمال بخطاب: (يا أيتها النفس