ومن حيث أنه - تعالى - تام فوق التمام في الذات والصفات الكمالية، والنفس بذاتها مشتاقة إلى الكمال المطلق، وهذه المحبة فرع المحبة ولا تحصل بدونها، ولذا قال سيد الرسل (ص): (ما اتخذ الله وليا جاهلا قط).
وحب الأب لابنه وبالعكس نسبة هذا القسم، من حيث أن الأب سبب ظاهر لوجود الابن، وإن لم يكن سببا حقيقيا، بل علة معدة له، فيحبه لأنه يراه بمنزلة نفسه، ويظنه مثالا من ذاته، ونسخة نقلتها الطبيعة من صورته ويعد وجوده بعده بمنزلة البقاء الثاني لنفسه، فيظنه أنه جزؤه وفي الخلق والخلق مثله، وكذا كل ما يريد لنفسه من الكمالات يريد أفضله له ويفرح بترجيحه عليه، وتفضيله عليه عنده بمثابة أن يقال: إنه في الآن أفضل من السابق، ومما يؤكد محبته له: إنه يرجو منه إنجاح مقاصده ومطالبه في حياته ومماته، وليست محبة الابن للأب كمحبة الأب للابن، بل هو أضعف، لفقد بعض الأسباب الباعثة له، ولذا أمر الأولاد في الشريعة بحب الآباء دون العكس، وكذا المحبة التي بين المعلم والمتعلم من هذا القسم، لأن المعلم كالسبب القريب للحياة الروحاني للمتعلم وإفاضة الصورة الإنسانية عليه، كما إن الأب كالسبب لحياته الجسمانية ورتبته الصورية، فهو والد روحاني له، وبقدر شرافة الروح على الجسم يكون المعلم أشرف من الأب وعلى هذا ينبغي أن تكون محبة المعلم أدون من محبة الموجد الحقيقي وأكثر من محبة الأب، وقد ورد في الحديث: (إن آبائك ثلاثة: من ولدك، ومن علمك، ومن زوجك، وخير الآباء من علمك). وسئل عن ذي القرنين:
أن أباك أحب إليك أم معلمك؟ قال: (معلمي أحب إلي، لأنه سبب لحياتي الباقية، وأبي سبب لحياتي الفانية). وقال أمير المؤمنين (ع):
(من علمني حرفا فقد صيرني عبدا). وعلى هذا ينبغي أن يكون حب النبي (ص) وأوصياؤه الراشدين - عليهم السلام - أوكد من جميع أقسام الحب بعد محبة الله - سبحانه -، لأنه المعلم الحقيقي والمكمل الأول، ولذا قال (ص) (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وولده).
التاسع - محبة المتشاركين في سبب واحد بعضهم لبعض، كمحبة