كان من جنس المألوف في الدنيا، ولو كان مثل هذه النيات مفسدة للعبادات لكان الترغيب والترهيب والوعد والوعيد عبثا، إذ كل ما وعد به الجنة وأوعد عليه النار مما رغب ووعد به ورهب وأوعد عليه، وما ورد في الترغيب والترهيب والوعد والوعيد من الآيات والأخبار أكثر من أن يحصى قال الله - سبحانه -:
(ويدعوننا رغبا ورهبا) (4).
ثم كيف يمكن للعبد الضعيف الذليل المهين الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا شيئا مما ينفعه ويؤذيه، أن يستغني عن جلب النفع لنفسه أو دفع الضرر عنها من مولاه. ومن تأمل يجد أن القائل ببطلان العبادة بإحدى النيتين ترجع النية الصحيحة في عبادته إلى إحداهما وهو لا يشعر به.
ومما يدل صريحا على ما ذكرناه قول الصادق (ع): (العباد ثلاثة:
قوم عبدوا الله - عز وجل - خوفا، فتلك عبادة العبيد. وقوم عبدوا الله - تبارك وتعالى - طلب الثواب، فتلك عبادة الأجراء. وقوم عبدوا الله - عز وجل - حبا له فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة) (5).
وهذا يدل على أن العبادة على الوجهين الأولين لا تخلو من فضل أيضا، فضلا عن أن تكون صحيحة. نعم لا ريب في أن العبادة على الوجه الأخير لا نسبة لمنزلتها ودرجتها إلى درجة العبادة على الوجهين الأولين، فإن من تنعم بلقاء الله والنظر إلى وجهه الكريم، يسخر ممن يلتفت إلى وجه الحور العين كما يسخر المتنعم بالنظر إلى وجه الحور العين بالملتفت إلى الصور المصنوعة من الطين، وكما يسخر المتنعم بالنظر إلى وجه النساء الجميلة بالخنفساء التي تعرض عن النظر إلى وجوههن وتلتفت إلى صاحبتها وتألف بها، بل هذه أمثلة أوردناها من باب الاضطرار، إذ التفاوت بين جمال الحضرة الربوبية وجمال الحور العين أو النسوان الجميلة أعظم كثيرا من التفاوت بين جمال الحور العين والصور المصنوعة من الطين وبين جمال